التراجيديا السورية

التراجيديا السورية!

التراجيديا السورية!

 العرب اليوم -

التراجيديا السورية

بقلم : عبد المنعم سعيد

عالِم العلاقات الدولية المتميز د. جمال عبد الجواد نشر مقالاً في «الأهرام» الغراء، تحت عنوان «دورة كاملة للتاريخ في سوريا»، عرض فيه للنزعة السورية إلى التفكك لقبائل سياسية؛ وكأن الانقسام الطائفي والمذهبي ليس كافياً. هذه الحالة جديدة، ولكنها كانت قائمة منذ منتصف الخمسينات، عندما وجد ضباط في الجيش السوري أن حلّ القضية لا يكون بتحقيق التماسك أو إقامة دولة وطنية حقيقية، وإنما بالسعي نحو الوحدة مع مصر. الآن بعد مسيرة عقود وفشل وحدة الجمهورية العربية المتحدة المغدورة، تعود سوريا بعد «الربيع العربي» إلى أكثر من عقد من التفكك والانهيار والاحتلال الخارجي، سواء أكان من قوى معادية للنظام السياسي البعثي مثل الولايات المتحدة وتركيا وحزمة كبيرة من الأحزاب والجماعات الجهادية الإرهابية الشيعية والسنية، أم من قوى مساندة له مثل إيران وتوابعها من «حزب الله» و«الحشد الشعبي». الدورة كاملة من التاريخ البائس، ليس في الدولة السورية فقط، وإنما في العديد من الدول العربية الأخرى أيضاً، التي فشلت تجربتها الوطنية في إقامة دولة متماسكة بالهوية والمصالح المشتركة جيوسياسية واقتصادية وثقافية أيضاً. سوريا ليست وحدها في هذه الدورات التعيسة، وإنما جرى مثيل لها في السودان واليمن حتى فلسطين، التي لم تقم بها الدولة بعدما انقسمت بانقلاب «حماس» في قطاع غزة، لكي تنفصل عن الضفة الغربية. ليبيا والعراق لا تزالان تحت الاختبار، خاصة أن الثروة النفطية قدّمت لهما مصالح يصعب الاستغناء عنها من قبل قطاعات مذهبية أو «جهوية».

الدفاع الفكري الذائع لدى جمهرة المثقفين والمفكرين العرب هو أن التقسيم والتفكيك كانت أمراً محتوماً بسبب الاستعمار، واتفاق سايكس بيكو، الذي رغم مرور أكثر من قرن عليه، لم يكفِه الزمن لكي ينتهي تأثيره. العودة للاستعمار ولإسرائيل كان جزء منه على الأقل إنكاراً للمسؤولية، وتخلصاً من فشل بناء متماسك للدولة يكون كافياً لازدهارها ووحدتها السياسية وترابطها الوطني. وكان الحل الذائع بعد ذلك هو القفز إلى المجهول باتساع المساحة السياسية التي تقيم دولة عربية واحدة، وأحياناً خلافة إسلامية يقودها العرب هذه المرة، بعد أن استغنى عنها الأتراك. كانت الغشاوة على العيون كثيفة في رؤية الدولة العربية الوطنية، وقد تبلورت في دول ناجحة باقية وغير منقسمة، ولا يقتل أهلها الأشقاء في الوطن، لا بجماعات جهادية، ولا بقوات «الدعم السريع». المملكة العربية السعودية تكونت من خلال عملية توحيد تاريخية ربطت الشرق والغرب، وهي الآن تعيش مرحلة ازدهار جديدة. الإمارات العربية المتحدة أقامت دولة فيدرالية عربية بين 7 إمارات، تجمعوا في دولة موحدة تتنافس أقاليمها على التقدم. الإمارات الأخرى في الخليج نزعت إلى تجربة عربية ناجحة في دعم الروابط من خلال مجلس التعاون، والتماسك وقت غزو العراق للكويت حيث لا توجد وحدة قسرية في القاموس، وتدخلت لإنقاذ البحرين أثناء «الربيع العربي». مصر الموحدة تاريخياً منذ آلاف السنين عاشت مع السودان تحت تاج واحد لعقود؛ ولكن، ولحسن حظها، أن الأشقاء في السودان اختاروا طريقاً آخر للاستقلال، ومعه سلاسل من الحروب الأهلية قسّمتها إلى دولتين بين شمال وجنوب، ولا أحد يعلم، لا المكون العسكري، ولا المكون المدني، حسب التقسيمات السودانية، ما الذي سوف تسفر عنه الحرب الأهلية. تونس والجزائر والمغرب في المغرب العربي نجحت في تكوين هوية وطنية كافية لارتباط العرب والأمازيغ، جاء من الكفاح ضد الاستعمار، والعمل المدني الخلاق، سواء تحت التاج الملكي أو الرابطة الجمهورية التي جاءت مع الاستقلال.

التراجيديا السورية ليست جديدة، لا على سوريا، ولا على دول عربية أخرى تعيش نفس الحالة المحزنة. الجوار الجغرافي والتجربة الحضارية التاريخية في الماضي، والتجربة الحالية منذ الاستقلال حتى الآن، تخلق دمعاً في العيون وشقاً في الصدور على شعوب شقيقة. ولكن الحالة تقتضي قدراً هائلاً من الصراحة، لأن التراجيديات العربية لها سمات التصدير لدول عربية أخرى، ومقدمات لخلل استراتيجي هائل يأتي من الخارج من خلال دول إقليمية قريبة ترى في الدولة العربية المفككة فرصاً تفرغ فيها عقداً تاريخية أو سعياً للخلاص من التفكك الداخلي بمغامرات خارجية، أو يأتي الخلل الاستراتيجي من حركات وآيديولوجيات تستخدم الدين مرة والقومية العربية مرة أخرى، ليس لتحقيق الوحدة، وإنما لتعميق التفكك.

هناك دائماً قميص عثمان للتبرير والتبكيت، وهو الاستعمار في الماضي والصهيونية في الحاضر، دون اعتبار ولا خجل من تحمل المسؤولية عن مصدر النزف الدائم نتيجة غياب الدولة الوطنية، والعجز عن تنمية الهوية المشتركة، والفشل في تنمية المصالح المشتركة استراتيجية واقتصادية.

arabstoday

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

الإحساس في كلام عبّاس

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

خيار الفاتيكان القادم: الكرازة أم التعاليم؟

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

السوداني والإخوة الحائرون

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

... والجامعيون أيضاً أيها الرئيس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التراجيديا السورية التراجيديا السورية



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab