المقاومة استراتيجية التحرير

المقاومة استراتيجية التحرير!

المقاومة استراتيجية التحرير!

 العرب اليوم -

المقاومة استراتيجية التحرير

بقلم: عبد المنعم سعيد

منذ الضربة العسكرية التى وجهتها حماس فى ٧ أكتوبر من العام الماضى إلى الإسرائيليين فى غلاف غزة، سواء أكانوا من العسكريين أو المشاركين فى حفل موسيقى أو العابرين المدنيين، تبنى كثيرون فى العالم العربى أن ما حدث مثَّل نوعًا من «المقاومة» التى ترد للإسرائيليين إيذاء بإيذاء نجم عنه إيقاظ للقضية الفلسطينية من غفوتها الطويلة. هى مقاومة للمحتل الإسرائيلى الذى فى استمراره للبغى والاستيطان والاحتلال استحق ذلك، لأن ذلك من حقوق الإنسان الطبيعية.

كان هذا هو الوصف لما قام به تنظيم حماس فى هجومه على غلاف غزة، الذى مات فيه ١٢٠٠ إسرائيلى، واختطف ٢٥٠ من الإسرائيليين والحاصلين على الجنسية المزدوجة من بلدان شتى. ما حدث بعد ذلك من مجازر وعمليات القتل الجماعى فى غزة، والتى تعدت ٤٠ ألفًا، ٧٠٪ منهم من النساء والأطفال، ووقت كتابة هذا المقال كان عداد القتل والجرح وأمراض الجوع والشلل دائرًا فى القطاع من شماله إلى جنوبه. لخص هذا القول مأزق السياسة والإعلام العربى ساعة حدوث حرب مع إسرائيل، حيث تكون الحرب من جانب إسرائيل توسعًا واستيطانًا وتدميرًا للبنية الأساسية والمؤسسية للمجتمعات، بينما تكون «المقاومة» عملية «إيذاء» لإشفاء الغليل وتقليل الحرقة على المفقودين والشعور بالرضا لما يلحق بالطرف الآخر من ألم. هو نوع من الانتقام والثأر الذى كان يحدث فى صعيد مصر وجنوب إيطاليا، حيث كان الثأر حرفة، وفى بلدان العالم حيث يكون العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم، وقد كانت إسرائيل هى البادية، ولكنها لم تأخذ لا عينًا ولا سنًا وإنما بلدًا بأكمله، ومصممة على توسيع هذا البلد حتى يصير من النهر (الأردن) إلى البحر (الأبيض المتوسط).

على مدى مائة وعشرين عامًا أقامت إسرائيل دولة كاملة الأركان فى قلب الشرق الأوسط، نصف قرن منها كان حتى قيام الدولة بعد قرار التقسيم، بينما الفلسطينيون رهن قيادتهم يخرجون فى المظاهرات، ومن آن لآخر يردون الأذى بأذى مثله، وإذا بالإسرائيليين يتحول أذاهم إلى تهجير الفلسطينيين وبناء دولة تستقبل اليهود المهاجرين، بينما الفلسطينيون ينتقلون من نكبة إلى أخرى يخرجون بها من وطنهم؛ ولولا موقف مصر الحازم لكانت حرب غزة الخامسة انتهت بنكبة تُضاف لنكبات سابقة.

الحقيقة أن الأذى أمر، والمقاومة أمر آخر، الأول يكون له يوم واحد، ٧ أكتوبر مثلًا، ولا يعرف أحد ماذا كانت النية فى اليوم التالى ٨ أكتوبر، ولكن اليوم لا يتلوه يوم آخر اللهم إلا إذا اعتبرنا المطالبة المستمرة بوقف إطلاق النار إعلانًا بالنصر من طرف واحد. لم توجد لدى حماس فكرة إلا الاستعداد لاستقبال الهجوم الاستراتيجى اعتبارًا من «اليوم التالى» نارًا ولهيبًا. الأذى أمر مؤقت، ولكن الاستراتيجية طويلة البال، متعددة الأوجه، صريحة الهدف فى التحرير والاستقلال، قوية العقيدة، شديدة المراس. خطوتها الأولى وحدة وطنية حديدها يفل الحديد، وكان ذلك ما حدث فى حركات التحرر الوطنى مثل جبهة التحرير الجزائرية وجبهة التحرير الفيتنامية والجبهات المماثلة التى خاضت حروبًا لتحرير شعوبها فى أيرلندا وجنوب اليمن. والحقيقة أن الغالبية الساحقة من دول العالم تحررت من خلال عمليات سياسية كانت الوحدة فيها نقطة بداية، ومشروعًا وطنيًا للتقدم لا نهاية له فى الأهداف الطموحة. الاستراتيجية تتحمل استخدام الوسائل السلمية، وكان غاندى أبرز قادتها، والوسائل العسكرية، وكان هوشى منه هو أعظم قادتها، والوسائل السياسية، وكان أنور السادات رمزها. وما بين هذا وذاك كانت «الاستراتيجية» تحتوى على الدبلوماسية والإعلام واكتساب الحلفاء والتضييق على الأعداء والاستعداد للتنازل عندما يكون ذلك لازمًا، واسترداد ما جرى التنازل عنه من قبل أو استرداده دون جهد نتيجة الزمن وتغير الظروف.

حركة التحرر الأيرلندية تنازلت عن شمال أيرلندا لأن أغلبيتها كانوا من البروتستانت؛ وجمال عبدالناصر سمح للإنجليز بالعودة إلى قاعدة قناة السويس فى ظل ظروف معينة، وانتهى ذلك مع انتهاء العدوان الثلاثى، والذى تم بتوافق أمريكى- سوفيتى. أنور السادات قبل سيناء مقيدة التسلح، ثم باتت مفتوحة التسلح بتغيير البروتوكول العسكرى نتيجة الحرب على الإرهاب.

الأذى يوجد فقط للحاجة النفسية، أما المقاومة فهى استراتيجية أولًا لطرد مستعمر أو غازٍ أو طاغية، وثانيًا وهو الأهم قيام الدولة المستقلة الواحدة لشعب بعينه. هى عملية صبورة لا تقطعها حماس بعد توقيع اتفاق أوسلو بعمليات انتحارية، وهى التى أقامت أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية فى التاريخ. أهم خصائص الدولة فى التاريخ الإنسانى هى وحدة ومركزية السياسة مع السلاح كما فعلت مصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ وما بعدها، لأن القيادة السياسية وحدها هى التى تمتلك استراتيجية الحرب والسلام، واستخدام الدبلوماسية للتفاوض أو السياسة لبناء التحالفات، أو الحرب شاملة كانت أو جزئية، دائمة أو مرحلية، لأن عليها أن تقيس توازنات القوى بدقة بين طرفى الصراع وتعرف كيف تتعامل معها. استراتيجية المقاومة تحافظ على شعبها ولا تضحى به بعد أول يوم، وعندما تخوض حربًا فإنها تعد العدة فتبنى الملاجئ قبل الأنفاق، والمخزون من الطعام والمؤن والدواء قبل الصياح أين أنتم يا عرب. حماس بدأت «الأذى» بكسر الوحدة الوطنية الفلسطينية عندما خلعت قطاع غزة من الوحدة الفلسطينية لكى تقيم فيه دولة صغيرة Mini State، والتحالف مع إسرائيل لإضعاف سلطة رام الله من خلال ما تنقله السلطات الإسرائيلية لها من أموال، وتمدها بالغاز والكهرباء والمياه العذبة و٢٣ ألفًا يعملون فى إسرائيل، وتوسيع نطاق صيد السمك فى البحر المتوسط. المقاومة حق لكل من تُحتل أراضيهم، ولكنها استراتيجية فى الأول والآخر من أجل تحرير الأرض وليس التساؤل عما يفعله المجتمع الدولى. للأسف فإن جماعة منا تعتقد أن الإيذاء يكفى وزيادة!.

arabstoday

GMT 11:44 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أكتوبر بين الغباءِ والعمالة

GMT 11:43 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الذكرى التالية

GMT 11:41 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

مفاجآت عام السنوار

GMT 11:39 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

زفرات اللغو

GMT 11:11 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

نووي إيران... الحقيقي

GMT 11:08 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الكلية الانتخابية والثقة بالديمقراطية الأميركية

GMT 11:06 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

طهران... فاجعة نصر الله وإشكالية الرد

GMT 11:04 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

صوفيا لورين... أم بريجيت باردو؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاومة استراتيجية التحرير المقاومة استراتيجية التحرير



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:01 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

نجمات تألقن على منصات عروض الأزياء
 العرب اليوم - نجمات تألقن على منصات عروض الأزياء

GMT 06:18 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الخزانة ذات الأدراج قطعة أثاث مهمة في غرفة النوم
 العرب اليوم - الخزانة ذات الأدراج قطعة أثاث مهمة في غرفة النوم

GMT 13:03 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أشرف زكي يعلن أسباب تكريم يحيى الفخراني
 العرب اليوم - أشرف زكي يعلن أسباب تكريم يحيى الفخراني

GMT 01:26 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

استقالة كبيرة موظفي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر
 العرب اليوم - استقالة كبيرة موظفي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر

GMT 00:20 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتجسس على أصدقائها.. فما البال بأعدائها؟!

GMT 00:42 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إيران باتت تدافع عن نفسها

GMT 22:40 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يعلن استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية

GMT 23:19 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

غارات إضافية على الضاحية الجنوبية لبيروت

GMT 19:52 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في السودان

GMT 17:23 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلى يعترض مسار طائرة إيرانية فوق العراق

GMT 23:25 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما

GMT 02:58 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الاحتلال يستهدف مناطق متفرقة في الجنوب ويقتل المدنيين

GMT 23:17 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتصدى لـ30 قذيفة أطلقت من لبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab