بقلم : عبد المنعم سعيد
قلنا إنه في الحروب لا يوجد منتصر ومهزوم، ولا فائز وخاسر، وإنما يهزم الجميع ويخسرون. المقارنات بالطبع نسبية، وفي حرب غزة الخامسة جري ما حدث في أربع حروب قبلها، استعارت حماس غضب وتحمل الشعب الفلسطيني الأعباء وأثقال الاحتلال الإسرائيلي لكي تبدأ سلسلة حروب تعلن فيها «المقاومة» وبعد أن يبدأ رد الفعل الإسرائيلي بتدمير ما لدي الفلسطينيين من قدرات تجري حماس ورفاقها، وتساندها الدول العربية، في المطالبة بوقف إطلاق النار. يسقط القتلى والجرحى بالمئات والآلاف، ومعظمهم من النساء والأطفال فيتعاظم الضغط الدولي على إسرائيل، ومع تكالب التأييد العربي، والوعود بالتعمير، يصبح وقف إطلاق النار ممكنا وساعتها تعلن حماس - وفي الحرب الرابعة الجهاد الإسلامي - الانتصار بعد أيام أو شهر من الحرب. السيناريو في الجولة الأخيرة كان مختلفا عندما استأنست حماس بنيتانياهو لكي تأخذ منه التأييد في انشقاقها على السلطة الوطنية الفلسطينية مالا وعملا وكهرباء وغازا وصيد السمك في البحر المتوسط. وبعد حصولها على التأييد الإيراني ومعها الميليشيات الأخرى في لبنان وسوريا والعراق واليمن بدأت الحرب الخامسة بمفاجأة عسكرية مبهرة. لكنها بعد ذلك لم يكن لها يوم آخر؛ ومنذ 8 أكتوبر 2023 بدأ عداد القتلى والجرحى والتدمير للفلسطينيين يدور بأرقام فادحة.
لم يعط ذلك نصرا حتى تليفزيونيا، وإنما تكاثر الضغط المعنوي، وبعدما بدأ تساقط الحلفاء الواحد بعد الآخر، باتت حرب غزة تعتصر الفلسطينيين إلي آخر نقطة عرق ودم. استطلاعات الرأي العام شهدت تراجع التأييد الذي حظيت به حماس بعد 7 أكتوبر. وقع بعد ذلك ما وقع منذ ثلاثة أرباع قرن، وهو أنه في كل جولة صراع ينتهي الأمر إلي خسارة فادحة للشعب الفلسطيني وأرضه التاريخية. منذ حرب 1948 حتى الحرب الأخيرة كسب الفلسطينيون مرتين: واحدة بعد حرب 1973 ووصول عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وواحدة بعد الانتفاضة السلمية الأولى معاهدة أوسلو في أعقابها. في كلتيهما كان هدف السلام وسبيله قائمين!.