بقلم - عبد المنعم سعيد
أخيرًا انعقد مؤتمر الحوار الوطنى، وسوف تبدأ جلساته هذا الأسبوع. متابعة تطورات العمل خلال عام مضى تشير إلى كثير الجهد المبذول تجاه أمرين: أولهما أن يكون هناك أكبر استيعاب ممكن للقوى المختلفة فى الحوار؛ وثانيهما تنظيم عملية الحوار من خلال بناء هرمى للجان العامة فى الموضوعات المختلفة، واللجان الفرعية التى تتعامل مع كل قضية مهمة على حدة. المظلة العامة للحوار هى التقسيم الثلاثى للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحوار، والذى سوف يجرى الحوار حوله خلال يوم من أيام الأسبوع الثلاثة المخصصة لكل منها. النية هنا أنه لن تكون هناك شاردة ولا واردة تُستبعد من الحوار العام بحيث تنال حقها فى وجود كل الآراء المتصورة، وتمثيلها لكافة ألوان الطيف وظلاله ودرجات السلم الموسيقى ونغماته فى السياسة المصرية. كل ذلك يدعو إلى الاهتمام وانتظار ما سوف تصل إليه هذه العملية السياسية من نتائج؛ ولكن رغم هذا الإحكام فإن هناك حاجة إلى الإجابة عن أسئلة كبرى لدى كل مشارك كلها تدور حول ما الذى نريده لمصر الغالية. ما المقصد النهائى لكل هذه العملية السياسية وهل هو أننا نريد بناء دولة عظيمة، أم أننا نريد دولة متوسطة الحال، أم أننا نرغب فى دولة تتفادى الكوارث والأحزان الكبرى التى عشنا الكثير منها فى تاريخنا؛ أم أن كل ذلك ليس مهمًّا على الإطلاق لأن الأهمية سوف تكمن فى حرية الكلام؟.
هذه الأسئلة كلها بالغة الأهمية، وتتفرع عن كل منها أسئلة أخرى لا تقل أهمية. فى الوقت الراهن فإن الهدف المحدد للدولة المصرية وفقًا لرؤية «مصر 2030» هو أن تكون ضمن الثلاثين دولة الأولى فى العالم عند حلول ذلك العام؛ أى باقٍ على الزمن سبع سنوات من الآن. الترجمة العملية للسؤال هى أنه إذا لم يكن ممكنًا أن تكون مصر فى مجموعة الدول العشرين، التى تتطلب أن يكون الناتج المحلى الإجمالى مساويًا لتريليون دولار حدًّا أدنى؛ فإن مصر ينبغى لها أن تكون قريبة من ذلك. معنى ذلك أنه على المتحاورين أن يحددوا السبل التى تأخذ ناتجها المحلى من حالته الراهنة البالغة ٣٧٨ مليار دولار إلى الضعف على الأقل ونسير على هذا المنوال لكى نتابع المستويات الأخرى من التنمية البشرية والتنافسية، ومَن يعرف السعادة أيضًا. هنا فإن تحديد المقصد هو الذى سيحدد الطريق أيضًا؛ وعلى كل فريق فى الحوار أن يحدد الطرق والسبل.
السؤال الثانى الكبير يتعلق بأنه لكل أمر وقرار زمن وثمن، ولذا فإن المواقف المختلفة لا تؤخذ لجمالها أو عبقريتها أو لمدى لمعان أصولها، وإنما لأنه من الممكن توفير الموارد اللازمة لتحقيق أغراضها. وهنا فإنه إذا كنا نريد لمصر أن تكون بلدًا عظيمًا، وتقع مكانتها بين دول العالم فى القمة الرفيعة، فإن السؤال هنا هل سيكون ذلك بإدارة الفقر، أم بإدارة الثروة؟. شكّل هذا السؤال إشكالية عظمى للتنمية المصرية خلال العقود الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن؛ حيث أدت إدارة الفقر إلى استنزاف كل قدرة على الاستثمار وتطوير البلاد ونقلها من حال إلى آخر يضعها ضمن صفوف الدول المتقدمة.
السؤال الثالث هو ما المرجعية التى نستند إليها؛ حيث المرجعية هى التجربة العالمية التى سوف نسير عليها، خاصة فى تلك الدول النامية التى سبقتنا فى مسار التقدم والرفعة. ورغم أن لكل دولة من دول العالم خصوصيتها التى تطبعها على مسارها التنموى، فإن هناك نموذجين للتنمية الشاملة فى العالم، حيث الشمول يجمع ما بين التقدم الاقتصادى مُقاسًا بالناتج المحلى الإجمالى، والحداثة المجتمعية مُقاسة بمدى عمق دولة المواطنة، والتقدم الإنسانى فى المعرفة البشرية والقدرة التنافسية العامة. النموذج الأول يشيع بين الدول الغربية فى أوروبا وشمال أمريكا وتوابعها فى اليابان وأستراليا. النموذج الثانى مركزه الصين وشرق وجنوب شرق آسيا حيث النمور والفهود الآسيوية، ومؤخرًا فإن لها توابع فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية. النموذجان لا يعرفان ذيوعًا للفقر أو الجهل أو المرض؛ ولا يعرفان تمييزًا على أساس ما هو معروف من اللون والعرق والدين والملة والمذهب والجنس ذكرًا أو أنثى، وفى كليهما ترتفع الثقافة والتقدم التكنولوجى المتسارع. وفيهما يوجد أعلى درجات الغنى فى العالم. إلى أى من النموذجين تنتمى مصر، أو يُراد لها أن تنتمى، فرغم وجود الكثير من التشابه، فإن هناك ما يميز كلًّا منهما فيما يتعلق بالحالة السياسية حيث الأولى تجعل من الفكرة الديمقراطية أيديولوجية وطنية وعالمية؛ والثانية ترى فى المركزية السياسية إحدى أدوات الفاعلية والإنجاز.