عالم الاحتباس الحرارى

عالم الاحتباس الحرارى

عالم الاحتباس الحرارى

 العرب اليوم -

عالم الاحتباس الحرارى

بقلم - عبد المنعم سعيد

إذا كان لدى أحد شك أن «الاحتباس الحرارى» قد بات واحدة من أهم سمات عصرنا، فإن الأسابيع الجارية كلها تشهد بأن العالم بما فيه مصر يعيش فترة احتراق شاملة. لم يكن متصورًا ذلك القدر من الحرائق في الغابات، والجفاف في البحيرات، والفيضانات في اليابسة، والضيق وإغلاق الأعمال ساعة تعدى درجات الحرارة الخمسين درجة. وبالنسبة لنا ورغم الضجر، فإن الأزمة لا تزيد حتى الآن عن محاولات لتلافى ارتفاع الأحمال على شبكة الكهرباء. وللحق، فإننى لم أكن أعرف أن مسألة الاحتباس هذه خطيرة حتى شاهدت قبل عشرة أعوام الفيلم الذي أعده نائب الرئيس الأمريكى السابق آل جور «الحقيقة غير المريحة Inconvenient Truth». وقبل الفيلم وبعده كانت الأخبار والصور تتوالى حول ما يجرى في القطب الشمالى وكيف أن جبال الثلج المترامية باتت آخذة في الذوبان جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ ومن بعدها جاءت أنباء أخرى عن القمم الثلجية لجبال الهيمالايا، والمهم في الحالتين أن البيئة الطبيعية باتت عرضة لتغييرات جوهرية. أسباب المسألة باتت معروفة، وهى أن الشمس لم تعد المصدر الوحيد للحرارة على الكوكب، وأن صناعات الإنسان الكربونية باتت واحدًا من مصادر الحرارة المهمة، ولذا أصبحت مهمة إعادة تنظيم البشرية وصناعاتها حتى يمكن الحفاظ على الأرض التي باتت معرضة لأخطار عظمى. ولكن الأبحاث العلمية أضافت احتمالات أخرى توجد عليها كثرة من البراهين، وقوامها أن كوكبنا تعرض دائمًا لدورات مناخية جرى فيها التداول ما بين حقب جليدية وأخرى حارة، ومن عجب أن مصر كانت في كثير من الأحيان نموذجًا لهذه الحالات بما نجده من حفريات تعود إلى فترات زمنية سحيقة.

.. ومما يبدو كحقيقة، وهى تواجد نهر آخر يوازى نهر النيل في الصحراء الغربية، كان جفافه علامة من علامات نهاية العصور الفرعونية، التي تناثرت معابدها وآثارها على ضفاف النهر المفقود.

حتى وقت قريب، كانت الآثار المتوقعة للاحتباس الحرارى على مصر قوامها أولًا ارتفاع مياه البحر المتوسط نتيجة ذوبان الثلوج في القطب الشمالى، حيث دفعت المياه المالحة إلى الدلتا المصرية، وهو ما ثبت وجوده تدريجيًّا خلال السنوات الماضية. وثانيًا أن ذوبان القطب الشمالى سوف يفتح الباب لطريق جديد لسفن التجارة العالمية بين الشرق والغرب تمر فيه وهى تنقل البضائع والسلع من آسيا إلى أوروبا والمحيط الأطلنطى. مثل هذا سوف يمثل تنافسًا آخر مع قناة السويس، وفى البحر وليس البر هذه المرة. وثالثًا أن مدن الساحل الشمالى، وخاصة الإسكندرية، مُعرَّضة للغرق، خاصة أن هناك كثيرًا من الشواهد لأجزاء غارقة منها حدثت في أزمنة قديمة، ربما تكون نتيجة الزلازل كما كان شائعًا، أو ارتفاعات كبرى في مياه البحر أدت إلى هذه النتيجة. ورابعًا أن هذه الأخطار باتت تُضاف إليها نتائج الاحتباس الحرارى من حرارة وفيضانات وجفاف على الدول المجاورة، خاصة في جنوب مصر، حيث تترك مزيجًا من التفكك السياسى، والوهن الاقتصادى من المجاعات وأزمات المحاصيل الزراعية، والصراعات المفتوحة والنزاعات العرقية، التي ترتب موجات من الهجرة واللجوء السكانى. وخامسًا فإن حالة الاحتباس الحرارى التي تسود العالم قد غيرت من البيئة البحرية العالمية برفع درجات حرارة المياه، فاندفعت قوافل من أسماك القرش المفترسة للهجرة، فظهرت بالقرب من سواحل مصر وشطآنها، في تهديد غير مسبوق للسياحة.

هذه الأخطار التي تقع علينا وعلى دول أخرى، بل العالم كله، لم تؤدِّ بعد إلى فرض تعاون عالمى للتعامل مع قضية مهمة وكونية بطبيعتها. سلسلة مؤتمرات «كوب»، التي كان آخرها لدينا في شرم الشيخ- كوب ٢٧- وسوف يكون القادم منها- كوب ٢٨- في منطقتنا حين ينعقد في «دبى» بدولة الإمارات العربية؛ كلها لا تبدو قادرة على أن تدفع في اتجاه مواجهة هذه الظاهرة في التعامل مع الجانب الذي تسبب فيه الإنسان، ولا في الجانب الدورى لحركة الكواكب والأجرام، والذى لا يزال بعيدًا عن القدرات العلمية الإنسانية. وحتى الآن، ورغم القرارات التي جرى اتخاذها في مؤتمر باريس بتعويض الدول النامية عن الأضرار التي تلم بها نتيجة إسراف الدول المتقدمة في استهلاك الوقود الأحفورى بمقدار ١٠٠ مليار دولار، فإن أحدًا من الدول الصناعية لم يلبِّ النداء، رغم تكراره خلال المؤتمرات التالية، حتى وصلنا إلى مؤتمر شرم الشيخ، الذي طرح مفهوم «العدالة المناخية» من أجل إعطاء دفعة أخلاقية وقانونية للمسألة.

المؤكد أن «جائحة» الكورونا والحرب الأوكرانية لعبتا أدوارًا مهمة في إزاحة قضية المناخ بعيدًا عن اهتمام دول العالم بقضية مصير الكوكب. الأخطر من ذلك أن قطبى النظام الدولى الحالى الولايات المتحدة والصين يتحملان المسؤولية الكبرى عن الحالية المناخية الحالية لكوكب الأرض بما يصدرانه من انبعاثات كربونية تشكل أكثر غازات الاحتباس الحرارى وفرة في الغلاف الجوى. وبالطبع فإن ذلك لا يُعفى بقية الدول الصناعية في أوروبا وآسيا وشمال أمريكا من المسؤولية، فالحقيقة هي أن الحضارة الصناعية في عمومها إنتاجًا واستهلاكًا كانت وراء الظاهرة. صحيح أن هذه الحضارة في جانب منها حلّت الكثير من المعضلات الإنسانية، وجعلت عدد البشر على الكوكب ثمانية مليارات نسمة أكثر صحة وأطول عمرًا من أي وقت مضى؛ ولكن على الجانب الآخر فإن هذه الإنجازات كلها تتعرض الآن لاختبار كبير يتوقف النجاح فيه على بكين وواشنطن ومدى استعدادهما للتعاون النشط في هذا الشأن. آخر المحاولات بين الصين والولايات المتحدة جرت خلال الأسابيع الأخيرة عندما قامت شخصيات مهمة من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأمريكية، وجون كيرى، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكى في شؤون المناخ، بزيارة الصين من أجل خلق حالة من «التنافس التعاونى» بين البلدين، ربما تسمح بتحقيق اختراق في مجال الاحتباس الحرارى وتعميق التعاون الدولى في مجال الصناعة والطاقة النظيفة.

بغض النظر عن الجهود الدولية والإقليمية في هذا الشأن، فإن ذلك لا يُعفى مصر من العمل لكى تتعامل مع هذه القضية المعقدة. والمؤكد أن مصر تبذل جهدًا دبلوماسيًّا فائقًا من أجل تحقيق التوافق الدولى لمقاومة ظاهرة الاحتباس الحرارى؛ ولكن من جانب آخر فإن الخطط التنموية المصرية أخذت في اعتبارها حماية الشواطئ المصرية الشمالية بإقامة حواجز تقلل من آثار ارتفاع مياه البحر، مضافًا إليها عمليات تعمير واسعة النطاق تنقل جزءًا من الكتلة السكانية إلى الشمال. ولكن ما لا يقل أهمية كان تحقيق درجة أعلى من الاستفادة من مياه نهر النيل سواء كان ذلك بالاستخدام الأمثل للمياه في الوادى، أو إعادة استخدامه بالتنقية، أو استخدام المياه الذاهبة إلى البحر المتوسط في تنمية «الدلتا الجديدة»، أو وصل ذلك كله بنهر جديد يحل محل النهر القديم يربط ما بين الدلتا ومفيض «توشكى» وبحيرة سد أسوان العالى بشبكة كبيرة من الخضرة. مكافحة الاحتباس الحرارى على المستوى الوطنى سوف تتضمن تعبئة موارد القطاع الخاص واستثماراته حتى يمكن تحقيق هذا الهدف.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم الاحتباس الحرارى عالم الاحتباس الحرارى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab