بقلم - عبد المنعم سعيد
فوجئ هنرى كيسنجر كما كانت المفاجأة من نصيب أجهزة المخابرات الأمريكية، بنشوب حرب أكتوبر. كانت الولايات المتحدة تدفع ثمن التبعية لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وعندما فشلت هذه امتد الفشل إلى واشنطن. المفاجأة الثانية للجميع كان أداء الجيش المصرى الذى ظن الجميع أن نصيبه من القتال لن يختلف كثيرا عما جرى فى يونيو ١٩٦٧. كان مدهشا أن الطرفين الإسرائيلى والأمريكى لم يتعلما شيئا لا عن نمو القدرات المصرية وتطبيقها على المواجهة المصرية مع إسرائيل والتى بدأت منذ معركة رأس العش ومن بعدها تدمير المدمرة إيلات، ولا عن حرب الاستنزاف. كيسنجر الذى كان يعلم أن الولايات المتحدة لا تزال متورطة فى الهند الصينية، وأن قائدها نيكسون كان غارقا ليس فقط فى فضيحة «ووترجيت» وإنما استقالة نائبه «سبيرو أجنيو» فى قضية فساد. مجمع الفضائح أعطى كيسنجر فرصة لكى يدير أزمة عالمية على طريقته الخاصة مهما كانت المواقف التى كان يرغبها نيكسون. كان موقف الأخير أن الحرب قدمت فرصة ذهبية لحل صراع الشرق الأوسط مرة واحدة، وكان وزير خارجيته يرى أن سياسة «الخطوة خطوة» تعطى الولايات المتحدة فرصة نفاذ إلى الشرق الأوسط على حساب السوفيت.
ورغم أن نيكسون أعطى وزير خارجيته تعليمات صريحة بأن ينتهز فرصة سفره إلى موسكو لكى يبدأ مفاوضات شاملة لجميع معضلات الصراع العربى الإسرائيلى، فإن كيسنجر قام بالعكس فتباطأ أولا فى السفر إلى موسكو، وأبلغ السوفيت ثانيا إنه لن يستطيع بدء المحادثات حتى يتخلص من دوار السفر. كان الرجل يريد إعطاء إسرائيل الفرصة لكى تستغل الثغرة، وبعدما توصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ذهب فورا إلى إسرائيل، وعندما لامته جولدا مائير على أنه أضاع الفرصة لإسرائيل فإن رده كان أن وقف إطلاق النار فى فيتنام لم يتم تنفيذه فورا! فى مذكراته ذكر أنه كان يعنى بضع ساعات، ولكن الإسرائيليين أخذوها على أنها بضعة أيام؛ ولا يزال صراع الشرق الأوسط قائما.