بقلم : عبد المنعم سعيد
إذا كان «الذكاء الاصطناعي» محور التغيير فى الحالة العالمية؛ فإن قيادة «دونالد ترامب» للولايات المتحدة تمثل لحظة فارقة، وبالغة الغرابة. الوصف هنا مستعار من مقال «مايكل بيكلر» فى دورية «الشئون الخارجية» بتاريخ 7 يناير 2025 بعنوان «الانتصار الغريب لأمريكا المكسورة؛ لماذا استخدام القوة فى الخارج تأتى مع العطب فى الوطن». الإشكالية هى أن الدولة التى خرجت من هزائم أفغانستان والعراق ولديها انقسام داخلى يصل إلى وضع الدستور الأمريكى على المحك؛ تخرج على العالم بمساعى إمبراطورية واضحة فى الجوار القريب؛ وزئير غير معهود إزاء الحلفاء والأقرباء فى العالم؟ وبعد أن عزمت على مدى أربع إدارات سابقة ـ جورج بوش الابن فى الولاية الثانية، باراك أوباما فى ولايتين، ودونالد ترامب فى الولاية السابقة، وجوزيف بايدن فى ولايته الوحيدة ــ على الانسحاب من العالم أو التورط فى مشاكله؛ فإذا بها الآن وخلال أيام من تولى الرئيس ولايته الثانية تتدخل فى الشرق الأوسط بالتهجير للفلسطينيين والتكبير للمساحة الإسرائيلية يُظَن أنها أصغر مما يلزم.
«اللحظة الترامبية» فى الواقع عالمية، هى نقطة تحول فارقة للبشرية، تشهد لدور الفرد فى التاريخ الذى قد يكون شرا كما «هتلر» أو خيرا كما الأنبياء. والشائع عن الرئيس الأمريكى باعتباره رجل أعمال عقاريا أنه من المؤمنين بالصفقات أى تبادل المنافع. ومع ذلك فإن هجمة الأيام الأولى التى تؤثر فى حلف الأطلنطى والاتحاد الأوروبى، وتغير من شمال قارة أمريكا الشمالية بضم كندا وجزيرة «جرينلاند»، وتعبث بالسيادة فى أمريكا الجنوبية فى بنما والمكسيك لا تعطى مجالا كثيرا لصفقة. المشكلة مع التحولات الكبرى أن ضربتها الأولى تكون مذهلة، ولكن الزمن له قواعده؛ وعندما ذكر المصريون أن «الغربال الجديد له شدة»؛ والتذكير بأن الرءوس دقت عليها الكثير من الطبول، يجعل التأنى مطلوبا. فبعد الضربة الجمركية الأولى، ورد الفعل الذى أتاها ممن أصيبوا، جاء النبأ بشهر ــ هدنة ــ يكون الكلام. التحولات الكبرى ليست ضربة واحدة!