بقلم - عبد المنعم سعيد
عدت سعيدا من لقاء صديقى عبد المنعم المشاط، وكانت كتيبتنا رابضة فى مواقعنا، وعرباتنا راقدة فى سواترها، ولأسباب لا أعرفها كانت هناك حالة كبيرة من السرور، فقد بات شائعا أن محمد عبد العاطى من كتيبة صديقى قد بات معلوما فى الإعلام أنه «صائد الدبابات»، ولما كانت كتيبتنا قد حققت الكثير فقد كانت هناك شعرة من الحسد، ولكن اليقين كان قائما أن النصر قادم. تجمعنا أسفل إحدى العربات مستندين إلى ناتج الحفر بينما نتناول برتقال «أبو سرة» جاءنا من الوطن الذى أرسل لرجاله تحية صباح. وبينما الروح المعنوية مرتفعة، كانت طائرة تحلق، وبعد جولة سقطت القذيفة، وانفجرت. أحسست بحالة عالية من السخونة، وكان الظلام فجأة دامسا، وتساءلت مع نفسى عما إذا كان ذلك هو الموت؟ استمعت لصوت من آخر العالم أن نخرج من داخل الركام، كان الظلام دخانا، وزحفت متسلقا الساتر، وعندما وجدت السماء كان المشهد فيه الدماء. كنت سليما بينما أقرب الرفاق ينزف دما احتضنته وألقيت بنفسى وهو إلى حفرة أحاول فيها استخدام ما عرفته من تدريبات على إيقاف النزيف. لم يكن هناك ضحية وإنما نصف دستة من الجرحى، وزن الجريح يكون أكثر ثقلا من حالته المعتادة.
جاءت الجماعة الطبية وحملت الجرحى ومن بينهم الجندى «المحمدى» يهتف بأن نحافظ على الأرض. مع الوعى بذاتى وجدت أن ملابسى مخضبة بالدماء، وكثير من المخلفات الإنسانية. الأقدار الرحيمة قادتنى إلى حفرة واسعة وبها وجدت «جربندية» فيها «اوفرول» جديد مع ملابس داخلية كذلك و«مسدس» و«كشكول» وجدت فيه الكثير من الشعر واليوميات والرسائل. وكأن الرحمة لم تشمل ذلك فقط، وإنما كانت هناك «زمزمية» ممتلئة بمياه نقية. خلعت ملابسى وأخذت حماما لم أحصل على مثله فى قارات العالم، ولبست الملابس، وقرأت الفاتحة لصاحب الكنز الذى عزمت على تسليم مسدسه ودفتره للقيادة. كانت السماء قد أصبحت ليلا، وحصلت على أول ساعات نوم منذ بدأت الحرب.