بقلم - عبد المنعم سعيد
لم يمض عام على آخر زياراتى للرياض إلا وجدت المدينة وقد انقلبت رأسا على عقب وبداية الانقلاب كانت المطار وبعد ذلك كل ما يدهش. المدينة أولا بها شبكة من الطرق والكبارى لا تجعلها فقط أكثر سيولة، وإنما الفاعلية كعاصمة تجذب زبائن النفط والترفيه والسياحة والخدمات. وثانيا أن ما فى الرياض ليس فقط “طرقا وكباري” وإنما هى تفعيل لمدينة وتغييرها ابتداء من “وسط المدينة” ومعها الأطراف. ذكرنى ذلك بما فعلناه من طرق و«كبارى» فى مصر ارتبط بها تطوير القاهرة الخديوية والفسطاط؛ ومنطقة الأهرام وما يأخذ القاهرة إلى الدلتا شمالا وإلى خليج السويس شرقا، والطريق إلى الإسكندرية غربا. الطرق والكبارى ليست مخلوقات أسمنتية متوحشة كما سمعنا من كثيرين لا يرضيهم الحال؛ فربط الأحياء والمدن والقرى والأسواق بالإنتاج و المشترى بالبائع هى عملية إنسانية فى المقام الأول.
الظاهرة نجدها بامتياز فى دول الخليج وفى الأردن والمغرب حيث يختلط الاتصال مع وسائل التواصل السريعة فلا يكون التليفون الجوال فقط، وإنما معه القطار السريع و المونوريل. هى جزء فى عملية التنمية وعندما كانت غائبة كانت سببا فى كثير من الخمود؛ جرى ذلك فى عمان الأردن، كما جرى عندما زرت قرية “أصيلة” فى المغرب، القرية التى تقع على الطريق السريع جدا من الدار البيضاء إلى طنجة ويتوازى معه القطار السريع الذى يقطع المسافة فى ساعتين. كل ذلك لا يجعل القرية مكانا للسياحة الشاطئية على المحيط الأطلنطى فقط، وإنما يجعلها واحدة من أهم مراكز الفكر عندما تجمع على مدى شهور الصيف أفضل العقول العربية للتفكير والحوار وبعد النظر. أحيانا ننسى أن الطرق والكبارى جزء مهم من البنية الأساسية لبلدان العالم، هى نوع من الشرايين المفتوحة على اتجاهات أربعة وفى بلادنا فإنها تخلق المدينة من جديد. الرياض لم يكن فيها إلا برجان: الفيصلية والمملكة، والآن فيها من الأبراج ما سوف يجعلها موضع الحسد من دبى ونيويورك.