بقلم - عبد المنعم سعيد
كان «أمل دنقل» هو شاعر جيلنا الذى شب عن الطوق بعد الحرب العظمى الثانية، وشهد مولد ثورة يوليو ١٩٥٢، وعانى من نكبتها فى ١٩٦٧، وخرج ثائرا على الهزيمة فى فبراير ١٩٦٨، وكذلك فى موجة أكثر كثافة فى يناير ١٩٧٢. جاءت قصيدة «الكعكة الحجرية» قائلة «أيها الواقفون على حافة المذبحة… أشهروا الأسلحة» وختمها بمثل ما ابتدأ. كانت لحظات غير مسبوقة منذ الثورة، ولكن واقع الهزيمة لم يسمح بالانتظار فخرجت الجموع من الجامعات إلى ميدان التحرير، ولعلها جعلت حرب أكتوبر ١٩٧٣ حتمية. بعد أربعين عاما جاءت يناير أخري، وهذه المرة كتب عنها د. خالد قنديل «موعد عند الكعكة القرمزية» حيث تشبع الحجر بالدماء؛ وفى الحالتين فإن «الكعكة» كانت القاعدة الواقعة فى منتصف ميدان التحرير كان مقررا لها أن تكون تمثال الخديوى إسماعيل على أبواب «القاهرة الخديوية» ولكن أحدا من الملوك والرؤساء بعده لم يصبه الحظ، وفى عصرنا حلت «المسلة» التى تربط بين الأرض والسماء محل القاعدة.
د. خالد قنديل كيميائى فى علوم الدواء، ونائب رئيس حزب الوفد، وعضو مجلس الشيوخ حيث شكلت معرفته إضافة فى أمور كثيرة فقد كان له كتابان: «تاريخنا التشريعى ١٩٢٤-١٩٥٢» و «حادث ٤ فبراير»، وكلاهما فى تاريخ الحزب القديم. كتابه الأخير «رواية» بطعم التاريخ المسجل هذه المرة عن ثورة يناير ٢٠١١ حيث يطل «الصيدلي» من قريب على جيل آخر، وثورة أخرى جرى تأريخها من قبل آخرين. ولكن المسألة هنا لم تعد تاريخا بقدر ما هى تسجيلا لرحلة جيل حول «التغيير» فى مصر حيث توجد شخصيات من لحم ودم فائرة بكافة النزعات السياسية بين تيارات مختلفة، والنفسية التى لا تستقر على حال. الكاتب نفسه هو الذى ينقل سردية «الحيرة» التى لم تستقر على توجه، وبينما يستمد اطمئنانه من العائلة، فإنه يشاهد كيف وضعت بذور العنف الذى احمرت بعدها الكعكة. هى إطلالة روائية من جيل آخر.