بقلم - عبد المنعم سعيد
من بين كل حركات التحرر الوطنى فى العالم لم يبق إلا حفنة يوجد فى مقدمتها حركة التحرر الوطنى الفلسطينى لم تنجح فى الوصول إلى هدف الدولة المستقلة. وإذا كان هناك من أسباب لحدوث هذا الاستثناء فإن أولها بلا شك هو إسرائيل وما سبقها من حركة صهيونية نجحت فى خلق تحالف دولى كبير مناصر لدولتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. نجح الإسرائيليون فى الإعداد للدولة، والحصول على التأييد من القوى الفاعلة فى النظام الدولى حيث جاء الاعتراف بها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى فى آن واحد. داخل الحركة الصهيونية ذاتها وبعد إنشاء الدولة حسمت حقيقة احتكار الدولة للسلاح بعد أن كانت هناك جماعات صهيونية متفرقة، واستخدمت الدولة السلاح بعنف شديد. على الجانب الفلسطينى فإن الفلسطينيين لم ينجحوا فى بناء إدارة سياسية واحدة، لا قبل النكبة الأولى ولا بعدها، وبمجرد ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية تولدت منظمات أخرى تدعى لنفسها بشرعية "المقاومة" تمثيل الشعب الفلسطينى. وبينما نجح الإسرائيليون فى بناء الدولة، فإن الجماعة الفلسطينية فشلت عندما أتيحت لها الفرصة بعد اتفاق أسلو؛ ولم تجد حماس معضلة فى فك الارتباط بين غزة والضفة الغربية بالتعاون مع إسرائيل.
الآن يقع الفلسطينيون مرة أخرى فى ذات الاختبار وقوامه عما إذا كانوا يريدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو أنهم يريدون دولة تديرها حماس على طريقة إدارة حزب الله فى لبنان أو طالبان فى أفغانستان. قيام حماس بالقبض على عشرة من منظمى توزيع المساعدات بتفويض من السلطة الوطنية الفلسطينية هو بداية التشرذم الفلسطينى فى مرحلة حرجة من التاريخ الوطنى الفلسطينى. وبصراحة فإن العالم سوف يجد صعوبة كبيرة بعد التجربة المرة التى خاضها الشعب الفلسطينى فى الضفة والقطاع منذ عملية ٧ أكتوبر أن يقبل للشعب الفلسطينى بدولة مستقلة لها جناحان كلاهما يستقل عن الآخر، والأخطر لديه الاستعداد لاستخدام السلاح ولا يوجد لديه استعداد لبناء الدولة.