بقلم - عبد المنعم سعيد
«الإنكار» هو حالة تأتى الإنسان عندما تحل به ملمة، فهو ينكر الأمر على أساس أن هناك خطأ يعفيه، أو أن هناك بشرا آخرين هم الأحق بالواقعة. الأمر ليس بهذه التعاسة عندما يحدث للدول التى تقوم بأفعال يكون «الإنكار» أحد ملامحها إذا ما فشلت. أجهزة المخابرات والساسة كثيرا ما يفعلون ذلك، حيث ينكرون علاقة أو يتحملون مسئولية فعل حاد. أحيانا يكون الإنكار مصحوبا بابتسامة لتأكيد الفعل أكثر منها التخلص من آثامه، ولا يوجد ما يمثل ذلك أكثر من السياسة الإيرانية خلال أزمة غزة. طهران لا تنكر موقفها لمساندة الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، لكنها تنكر مساهمتها فى تشجيع حماس على الفعل تدريبا وتمويلا وإعداداً. ولكى يكون الإنكار محكما فإن السيد حسن نصرالله فى خطابه الأول لم ينكر العلاقة الوثيقة بين إيران وحلفائها - الحشد الشعبى فى العراق، وحزب الله فى سوريا و لبنان، والحوثيين فى اليمن - وإنما يرى اللقاء فى المبادئ، وبعدها تترك إيران لهم تقدير الموقف والإعداد والتنفيذ فلا أحد يعرف موعد الهجوم ولا وسائله، فهذه أمور فيها استقلالية.
لم تمض أسابيع من القتال فى غزة، والحدود اللبنانية الإسرائيلية، والقصف الدورى للقواعد الأمريكية فى سوريا والعراق، ومؤخرا إطلاق الحوثيين الصواريخ على إسرائيل والسفن فى البحر الأحمر، حتى خرجت إيران لكى تنكر علاقاتها بهذه الأعمال حتى وهى تؤيدها، وكما قالت فإن الحرب ليست فى باب المندب وإنما فى غزة. إيران هكذا تعتصر حتى آخر قطرة دم فلسطينية الموقف «البرىء» الإيرانى من مجمع أحداث الشرق الأوسط على جميع الجبهات. جماعة من الخبراء ترى أن ذلك يحسن موقف طهران فى مفاوضات سلاحها النووي، وجماعة أخرى ترى فى الفعل والإنكار أفضل إستراتيجية لإعلان امتلاكها السلاح النووى فتصبح واحدة من ناد يجمع الهند وباكستان وإسرائيل التى تمتلك السلاح فى مناكفة مع اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية. هى سياسة حافة الهاوية دون ذنب ومعصية؟!