بقلم : فاروق جويدة
منذ زمان بعيد وأنا أبحث عن أم كلثوم بين الإذاعات والفضائيات، ولا أملّ من هذه الذكريات الطويلة معها. وقد لجأت أحيانًا إلى البحث عن أصوات تشبهها، واكتشفت أن محاولات الاستنساخ فشلت، وأن بعض الأصوات التى حملت شيئًا من عبيرها لم تُكمل المشوار.. وقد توقفت أخيرًا عند صوت متفرد أداءً وإحساسًا وحضورًا، وهى المطربة مى فاروق، صوت واثق وحساس ومتمكن ودارس. سمعتها فى أكثر من مناسبة على قنوات مصرية وعربية، ثم شاركت فى أكثر من مهرجان فى المملكة العربية السعودية، وحققت نجاحًا وحضورًا مميزًا، خاصة أنها تغنى القصائد بلغة سليمة وأداء متفرد، وتحترم طريقتها فى الأداء والوقوف أمام الجمهور..
مثل هذه الأصوات الجميلة يجب أن يهتم بها الإعلام المصري، خاصة إذا اتسمت بالإحساس والأداء المميز. إن مثل هذه المواهب يمكن أن تواجه موجات الإسفاف وغناء المهرجانات والحفلات الصاخبة ومشاهد الرقص والكلام الهابط. لدينا فرق موسيقية وعازفون وملحنون جدد من الشباب الواعد، وهذه المواهب يجب أن تتصدر المشهد وتقدم الفن الراقي، وعلى مؤسسات الدولة أن تشجع هذه المواهب..
كانت مصر دائمًا مهبط الفن الجميل، أصواتًا وأداءً وتأثيرًا، وكانت لدينا مطربة واحدة تهز أرجاء العالم العربى إبداعًا وحربًا وسلامًا. كانت أم كلثوم دولة مستقلة على ضفاف نيلنا الخالد. أعيدوا للإبداع قيمته، وللفن جلاله..
أمام هبوط الذوق العام، لا يمكن أن نتجاهل الآثار السلبية لغياب الفن الراقي، ولا أتصور أن تغيب الدولة عن دورها ومسئوليتها فى رعاية المواهب الحقيقية فى كل مجالات الإبداع. إننى أحيانًا أشاهد أعمالًا فنية لا علاقة لها بالفن. وجدان الناس مسئولية مشتركة بين المتلقى والمبدع ورعاية الدولة.