بقلم : فاروق جويدة
كانت مصر من أهم دول العالم الإسلامى التى نشرت الفكر الصوفى بمدارسه وشيوخه وطقوسه، وكثير من رموز الصوفية وُلدوا فى بلاد أخرى وتنقلوا، ثم استقر بهم الحال وعاشوا فى مصر ونشروا أفكارهم بين أهلها.. والصوفية تيارات وجماعات فى الإسلام اختارت طريقًا يقوم على الحب والتسامح، والسعى إلى علاقة خاصة بالحياة تقوم على الزهد والترفع والطاعة، بحيث يذوب المتصوف فى الذات الإلهية ويتوحد معها، فلا يرى فى الكون إلا خالقه، ولا يرى فى الأشياء كل الأشياء إلا معجزة الخالق سبحانه وتعالى، والصوفى إنسان متجرد بالفطرة، يسافر داخل نفسه، وإذا سافر خارجها فإنه يتأمل فى مخلوقات الله أكثر مما يعيش معها..
وقد ارتبطت الصوفية بالشعر، لأن كليهما يحلق فى آفاق تتجاوز حدود الأشياء والبشر، وكثيرًا ما تجاوز بعض الصوفية فى أشعارهم وهم يناجون الخالق سبحانه، وجمعوا بين الحب الإلهى والحب البشرى، وفى شعر الصوفية نماذج بديعة جمعت بين مشاعر الإنسان بكل منابعها.. والصوفية ترتبط بعلاقة وثيقة مع الفن، لأن الإبداع الحقيقى فيه قدر من الصوفية، فالصوفية مناجاة بشرية لإبداع الخالق، والإبداع يتطلب العزلة أحيانًا، وأجمل اللحظات فى حياة المتصوف أن يخلو إلى الله، ولذلك توجد "الخلوة"، وهو المكان الذى يسافر فيه الإنسان مع خالقه..
كنت دائمًا أحب المتصوفة، وأجد لديهم مساحة واسعة من الفكر والحوار والتأمل.. كان البعض يرى أن التصوف يمكن أن يواجه التطرف، ولكنَّ هناك تعارضا شديدا بين تسليمات التصوف وجنوح التطرف، بين روح التأمل ونوازع العنف، بين من يسلم أمره لله ومن ينتظر شيطانًا يعبث فى رأسه.. وما أكثر الشياطين فى هذا الزمان!.