بقلم : فاروق جويدة
أصعب الأشياء على الإنسان أن يرى كل شئ حوله يحمل كل التناقضات؛ أن يرى نصف الكون نهارًا ، ويرى النصف الآخر سوادًا؛ أن يرى الولائم فى القصور، ويرى الجوعى يسارعون إلى رغيف أسود؛ أن تطارده الأكاذيب ولا يجد حقيقة واحدة .. من أكثر الأشياء تناقضًا فى أحداث شهر رمضان المبارك، حشود الطواف حول الكعبة، وحشود الهاربين من الموت فى غزة.. هؤلاء يؤمنون بدين واحد، ويتحدثون لغة واحدة، ويطلبون الرحمة من الرحمن الرحيم، ولكن طواف الكعبة يختلف تمامًا عن حشود غزة التى تطاردها ذئاب أمريكا وإسرائيل.. الذين يطوفون حول الكعبة يرجون رحمة الخالق، والذين يموتون فى غزة يقاومون شراسة البشر ووحشية القتلة..
تناقض غريب، لأن قدسية المكان واحدة بين المسجد الأقصى والكعبة الشريفة، والصلاة واحدة، والدين واحد، والأصول واحدة، والجميع يتجه للسماء. ولكن الفرق أن الصلاة فى الكعبة لها حماية، والصلاة فى الأقصى آلاف الضحايا..
ويبقى السؤال: إن حشود مكة تهز أركان الكون بالدعوات، وحشود الأقصى تهز الكون بالصرخات، وما بين الدعوات والصرخات توجد أمة يزيد تعداد أهلها على 2 مليار إنسان، منهم 2 مليون إنسان يموتون كل يوم قتلًا وجوعًا ودمارًا، إن الكعبة يزورها كل عام ملايين المسلمين، والأقصى يشكو من قلة زواره، ويسأل: متى يفيق المسلمون؟.
نحن نعيش فى زمن التناقضات فى كل شئ، ما بين الوحشية والرحمة ، وما بين الإيمان والرذيلة، وما بين أصحاب الحقوق واللصوص.. وما نراه اليوم صراعا بشريا افتقد الرحمة والإنسانية والأخلاق؛ شعب يتعرض للإبادة الجماعية من عصابات ترتدى أقنعة الحضارة، وشعوب تموت جوعًا وتنتظر الرحمة فى زمان أدمن القتل والإرهاب.