بقلم : فاروق جويدة
كان الملايين من دول العالم يسارعون لزيارة مصر فى فصل الشتاء، لأن المناخ فيها كان شيئًا مختلفًا.. كان يزورنا عادة نوع من البرد اللطيف، واعتدنا أن تشرق الشمس فى بلادنا كل أيام العام، وكانت أحيانًا تهبط علينا أمطار خفيفة لا تزعج الناس ولا تغرق الحقول والأراضى.. ولكن الشتاء بدأ يتغير، وازداد قسوة وصقيعًا، وأصبحت البرودة تتسلل إلى أجسادنا.
وأنا لا أحب الشتاء، رغم أنه من الفصول التى تحتل مساحات كبيرة بين سكان العالم، فالشتاء عندى ليس برودة الجو، ولكنه برودة المشاعر.. إن البرد يسكن فينا، ولا يأتينا من العواصف والرياح.. أشياء كثيرة تتسرب داخلنا، ونشعر معها بالوحشة والخوف من المجهول، خاصة إذا كان الإنسان لا يملك من أمره شيئًا.. حين تشاهد الأطلال حولك، وتغيب أصوات الحكمة، وتنتشر خفافيش الظلام، ويُسجن العدل بين قضبان الطغيان، لا تستطيع أن تحمى نفسك من الرياح والأعاصير.
لكل إنسان قدرة على الاحتمال، والبرد درجات؛ هناك البرد القارس، والبرد الشديد، وهناك الصقيع.. والأحداث حولك هى التى تحاصرك، وكأنها تلال من الجليد، رغم أن الشمس مشرقة، والسماء صافية، والقلوب ما زالت طيبة.. إنها ليست برودة الشتاء، ولكنه صقيع الوحشة، وضياع الحلم ، وغياب الحكمة.
حين تبدلت المشاعر، وفسدت القلوب، وسيطرت الكراهية على قلوب البشر، لم يعد برد الشتاء هو المشكلة، لأن تلال الجليد كبرت داخلنا، وأصبحت سجونا من الجليد فى زمن غابت عنه الرحمة.