مصطفى أمين محنة السجن وظلم السياسة

مصطفى أمين.. محنة السجن وظلم السياسة

مصطفى أمين.. محنة السجن وظلم السياسة

 العرب اليوم -

مصطفى أمين محنة السجن وظلم السياسة

بقلم : فاروق جويدة

كان نجم النجوم فى مملكة صاحبة الجلالة صحفيًا لامعًا وصاحب مؤسسة صحفية فريدة وقلمًا جريئًا ومن أقرب الناس لسلطة القرار .. كان شيئًا غريبًا أن يحمل كل هذه الألقاب ويجد نفسه بعد كل هذا المجد فى حبس انفرادى فى أحد سجون القاهرة..

ــــ لم أعرف كاتبنا الكبير فى أيام مجده القديم حين نشأ وشقيقه على فى بيت سعد زغلول زعيم الأمة، أو حين أنشأ صحيفة «أخبار اليوم»، أو أخذ موقعًا فريدًا بجوار زعيم ثورة يوليو جمال عبدالناصر، أو حين صدر حكم بسجنه 25 عامًا. كل هذه المواقف عرفتها بعد أن خرج مصطفى أمين من السجن بعفو رئاسى من الرئيس أنور السادات بعد نصر أكتوبر، وقد قضى فى السجن ما يقرب من تسع سنوات.. كنت قد أصدرت كتابًا أثار ضجة واسعة اختفى من الأسواق كان عنوانه «أموال مصر كيف ضاعت»، ناقشت فيه جوانب كثيرة من إهدار المال العام والاعتداء على موارد الدولة. وفوجئت بالأستاذ مصطفى أمين يكتب فى بابه الشهير «فكرة» مطالبًا النائب العام بالتحقيق حول الوقائع التى جاءت فى الكتاب. ويومها أرسل الرئيس السادات إلى خطابًا يشكرنى على الكتاب ويوضح أنه يعكس أخطاء ما قبل ثورة مايو التى قام بها وأطاحت بمراكز القوى..

ــــ توطدت العلاقة بينى وبين مصطفى أمين، واعتدت زيارته أسبوعيًا، وكثيرًا ما كنت أقرأ له قصائدى فى أحيان كثيرة.. كان مصطفى أمين يحمل سمات جيل الآباء فى بلاط صاحبة الجلالة: الأبوة الصادقة، والتبنى الجميل، والأستاذية المترفعة، والتشجيع الواثق. اقتربت كثيرًا من مصطفى أمين وكان يسأل عنى إذا غبت.. حين نجلس معًا، كنا نتحدث كثيرًا خاصة عن معاناته فى السجن. ولم أقتنع فى يوم من الأيام أن مصطفى أمين ارتكب جريمة تصل به إلى حكم مؤبد ربع قرن من الزمان .. وما هى نقاط الضعف التى تجعله يقع فى هذه التهمة ؟ إنه رجل تربى فى بيت من أعرق بيوت الوطنية المصرية مع شقيقه، فى بيت الأمة، بيت سعد زغلول وصفية زغلول.. كيف يرتكب هذه التهمة وهو لا يريد مالًا ويملك مؤسسة صحفية عريقة؟ هل يمكن أن يغريه شطط إنسانى ونساء الدنيا تلهث خلف شهرته وبريقه؟ إن للضعف الإنسانى أسبابًا تبرره، ولكن لا يمكن أن يصيب إنسانًا مثل مصطفى أمين.

ــــ وقد وصلت إلى ما يشبه اليقين بأن تهمة مصطفى أمين كانت من خبايا وأسرار السياسة حين تفقد الأخلاق والضمير. أن يصل خلاف الرأى إلى السجون، وأن يفرط رفاق العمر فى كل شيء ويلقون بعضهم فى السجون.. كنت دائمًا أتمنى من موقع الابن أن أعيد جسور الود بين الأستاذين هيكل ومصطفى أمين. كان هيكل يحب على أمين ويؤمن بذكاء مصطفى أمين.. ولم أتردد فى أن أسعى بينهما، لأن هيكل أستاذى ولدى قناعة بأن مصطفى أمين سُجن ظلمًا. وحاولت بدعم من أحمد رجب ولم تنجح المحاولة. رفض هيكل وطلب مصطفى أمين أشياء مستحيلة. وظللت على عهدى أن هيكل كان قيمة وأثرًا، وأن مصطفى أمين كان سندًا ومشجعًا.

ــــ وكانت له مواقف كثيرة معى عندما أنشأ جائزته الشهيرة فى الصحافة باسمه وشقيقه على، وضع اسمى عضوًا مؤسسًا. وكنا خمسة سجلت الجمعية بأسمائنا: أحمد رجب، مصطفى أمين، وأنا. وفوجئت به يمنحنى جائزتها عن مسرحيتى «دماء على ستار الكعبة». وكان يطلب منا ترشيح أسماء الفائزين كل عام..

< وصلت إليه دعوة من مؤسسة أمريكية كبرى فى منحة لمدة عام. وأرسل لى الدعوة مع المسئول الأمريكى.. وتعجب الرجل كيف يرشح مصطفى أمين صحفيًا من صحيفة منافسة؟ وقلت له إن الأب لا يعنيه أن يسكن ابنه معه أو يسكن بيتًا مستقلًا. هو فى كل الأحوال ابنه حتى لو كان فى مكان آخر. واعتذرت لأننى لا أستطيع أن أغيب عن الأهرام عامًا كاملاً.

< عندما أنشأ الباشا فؤاد سراج الدين حزب الوفد الجديد، طلبنى مصطفى أمين وقال: «الباشا يريدك رئيسًا لتحرير الوفد». قلت: «لا أستطيع أن أترك الأهرام رغم حبى للوفد والباشا».

< عندما أوصى الموسيقار محمد عبدالوهاب زوجته السيدة نهلة القدسى أن تسلم أوراقه لى، قررت أن أنشرها فى كتاب وطلبت نشرها مسلسلاً فى الأهرام. واختلفنا. حكيت القصة لمصطفى أمين واتصل بإبراهيم سعده وقال له: «عندى لك هدية»، ونشرت الأوراق فى «أخبار اليوم» على حلقات، وكانت عملاً كبيرًا. وتسببت فى أزمة بينى وبين الأهرام.

< يومًا كتبت قصيدة عنيفة وحادة وقرأتُها على مصطفى أمين. واقترح يومها أن يكون عنوانها «من أغانى مانديلا» وأهديتها للثائر العظيم. ونشرتها..

< امتدت سنوات العمر بينى وبين مصطفى أمين. وكثيرًا ما كان يحدثنى عن زمان رحل. حتى إنه رشحنى لكى أكتب مسلسل «أم كلثوم»، وقلت له: «لم أعرفها». قال: «كل شىء عندي». قال: «عندما غنت «الأطلال»، أرسلت إلى فى السجن رسالة تقول: «سوف أغنى لك الليلة قصيدة جديدة»، وسمعتها وبكيت

أعطنى حريتى أطلق يدىَّ

إننى أعطيت ما استبقيت شىّ

آه من قيدك أدمى معصمى

لم أبقيه وما أبقى علىّ

ما احتفاظى بعهودٍ لم تصنها

وإلام الأسر والدنيا لدىَّ

ــــ كنا نتحدث عن رؤساء مصر، وكان مصطفى أمين يقدر كثيرًا السيدة جيهان السادات ويرى أنها الجانب الإنسانى فى شخصية السادات. ورغم أن السادات أصدر عفوًا صحيًا عن مصطفى أمين فإنه منعه من الكتابة بسبب مقال قال فيه: «إذا غضب جمال عبدالناصر على أحد، يقصف رقبته، وإذا غضب السادات يقصف قلمه»، وتم منع مصطفى أمين من الكتابة.. وذات يوم كان عرس إحدى بنات السادات، وبينما كانت السيدة جيهان تستقبل المدعوين، صافحت موسى صبرى وأحمد رجب وسألت: «أين مصطفى أمين؟» فقالوا: «لم يأت». قالوا: قال: «كيف أحضر عرسًا وهو ممنوع من الكتابة بقرار من صاحبه؟» وطلبت جيهان السادات من أحمد رجب وموسى صبرى أن يحضرا مصطفى أمين، وحين استقبله السادات، قال له: «مصطفى، تكتب غدًا»، وكان عفوًا رئاسيًا.

ــــ بقيت على عهدى، حبى لهيكل ومصطفى أمين، وكتبت يومًا مقالًا تمنيت فيه لو عاد الود والتسامح بينهما، ولم يتحقق ما تمنيت.. دخل مصطفى أمين المستشفى وذهبت لزيارته. أخبرونى بأنه دخل غرفة الإنعاش. كان الزحام شديدًا أمام غرفته والزيارة ممنوعة. ووقفت بين العشرات من الزوار. فوجئت بزوجته تقول لى : «مصطفى يريد أن يراك». كان موقفًا صعبًا أن أراه فى هذه الحالة. وذهبت معها وصافحته. كان وجهه شاحبًا، تتعثر الكلمات على لسانه. قال: «خلاص انتهت الرحلة .. لا تنس أن تكتب شعرًا فى وداعي. الشعر يعيش ويبقى، والصحافة لا عمر لها».

كان آخر وداع بيننا، وكتبت فى وداعه قصيدة من أجمل ما كتبت، لأن الشعر هو الأبقى.

..ويبقى الشعر

ياعاشقَ الحرفِ دمعُ الحرفِ يُدمينا

مَن بعدك الآنَ بالأحلامِ يروينـَا

لم تَغربِ الشمسُ يومًا عن شَواطئنَا

مادُمتَ تحملُ نايَ الحب .. تُشجينَا

الحرفُ عندكَ أوتارٌ تداعبُها

يشْدو بها الكونُ إيقاعا وتلحينَا

الحرفُ عندكَ قداسٌ .. ومئذنةٌ

وعاشقٌ قد رأى فى عِشقهِ دينَا

الحرفُ عندكَ فرسانٌ وساريةٌ

وقلعةٌ من قلاعِ المجدِ تحمينَا

الحرفُ عندكَ أوطانٌ محرَّرةٌ

لا ظلمَ فيها .. ولا زيفًا يُمنّينا

الحرفُ عندكَ سلطانٌ بلا سفهٍ

نَفديه فى الضيقِ .. عند الخَطب يفدينَا

الحرفُ عندكَ عشقٌ لا دواء له

كم أهلكَ العشقُ فى الدنيا مُحبينَا

الحرفُ وجهانِ .. وجهٌ كاذبٌ دَنِسٌ

وآخرٌ من رياض الحق يَسقينــَا

الحرفُ فى الأرضِ آياتٌ مطهرةٌ

نورٌ من اللهِ بينَ الخلقِ يَهدينا

فى رحلةِ العمرِ أقلامٌ يزينَها

تاجُ الشموخِ فيسرى عطرُها فينَا

مواكبُ الزيفِ أقلامٌ ملوثةٌ

بَاعتْ حِمى الأرضِ واغتالتْ أمانينَا

فى عتمةِ السجنِ جلادٌ وحاشيةٌ

وسطوةُ القهرِ فى الأوحالِ تلقينَا

قُضبانهُ السودُ مازالت تُحاصِرنَا

فى كُل ليلِ قبيحِ الوجهِ يطوينَا

كنتَ السجينَ الذى ماهّدهُ زمنٌ

ولا ارتضى ساعةً فى عزمهِ لِينَا

تسعُ عجافٌ وسيفُ الظلمِ يقهرُنا

ويعبثُ الموتُ فى أرجاءِ وادينَا

نهرٌ من الدمِ يجرى فى مضَاجِعنا

وصرخةُ اليأسِ تعوِى فى ليالينَا

فى محنةِ السّجنِ حرفٌ ذابَ فى ألمٍ

وريشةٌ صارعت فى الليلِ تِنّينا

فى ساحةِ الظلمِ أنفاسٌ معذبةٌ

ومُهجةٌ عانقت بالحبَّ سكينَا

هل يشفعُ الحبُّ والجلادُ يرصُدنا

كى يشربَ العمرَ خمرا ثم يُلقينَا

فى محنةِ العمرِ أوراقٌ مبعثرهٌ

البعضُ منها انطوى .. والبعضُ يُشقينَا

مصرُ التى عانقت بالحبّ عاشِقهَا

وأودعتْ سرها فى قلبهِ حينَا

تبكيكَ ابنا عزيزا لن يُفارقَها

فى كلّ فجرٍ جديدٍ سوف تأتينَا

فى ليلةِ القدرٍ تأتينا بلا مللٍ

بكلّ حُلمٍ برىء الوجهِ تْهدينَا

فى كل بيتٍ ترى أما يعانقُها

فيضٌ من الحب يَجرِى فى مآقِينا

الموتُ كالطيفِ أحيانًا يُداعبُنَا

مَهمَا نسيناهُ يبدو ساكنا فينا

ياعاشق الحرفِ أيامُ المنى عبَرتْ

وفى زِحامِ الأسَى غابتْ أغانِينَا

إن كانت الأرضُ بالإنصافِ قد بَخلتْ

فى جنةِ الخُلدِ نلقَى العدلَ رَاضينَا

فى رحمَةِ اللهِ أبوابٌ مجنحةٌ

تُؤوى القلوبَ التى عانتْ .. وتؤوينَا

قد عشتَ ترجُو من الرحمنِ رحمتهُ

فاهنَأ بها الآنَ .. فى دارٍ المحبينَا

قصيدة «عاشق الحرف» سنة 1998

arabstoday

GMT 13:39 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 13:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 13:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 13:31 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 13:28 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 13:26 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 13:25 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 13:23 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصطفى أمين محنة السجن وظلم السياسة مصطفى أمين محنة السجن وظلم السياسة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab