مبكراً يرفع الشيطان الرهيب بنيامين نتنياهو الراية البيضاء، فيعيد التكليف إلى الرئيس رؤوفين ريفلين، الذي سيقرر ما إذا كان عليه أن يكلف غانتس، أم أن الأوضاع ستندفع في اتجاه دورة انتخابية ثالثة. لم يبق لدى نتنياهو حيلة لإنقاذ رأسه إلا ولجأ إليها باستثناء أن عنصريته تمتنع من حيث المبدأ عن مساومات مع القائمة العربية المشتركة. عرض على غانتس التناوب بحيث يحصل هو على رئاسة الحكومة في السنة الأولى ويترك السنوات الثلاث برئاسة غانتس، وعرض التناوب مع أفيغدور ليبرمان على رئاسة الحكومة، وقبلها عرض على حزب العمل خمسة مقاعد وزارية. في كل العروض التي قدمها نتنياهو، لم يبدِ استعداداً لفرط التكتل اليميني، خاصة أن لكل من الأطراف الأخرى التي لجأ إليها شروطه المذلة، والتي لا تسمح له بتشكيل الحكومة على أي حال من الأحوال.
ثمة حقد ومحاولات لإذلال لنتنياهو من قبل كل الكتل الانتخابية الأخرى عدا كتل اليمين المتطرف التي تلتصق به وتدرك أنها لا تملك حظوظاً أخرى مع غيره، إلا إذا قدمت هذه المرة تنازلات جوهرية تخالف طبيعتها والتزاماتها المبدئية.
الأمور عالقة بين خيارين، فإما أن يذهب بيني غانتس إلى تشكيل حكومة مع أفيغدور ليبرمان من دون مشاركة القائمة العربية المشتركة، التي يقف دورها عند تقديم شبكة أمان لتحالف غانتس. هذا الخيار وارد في حال عدم وجود اعتراضات من قبل حلفاء غانتس أولاً ثم من ليبرمان، خاصة أن العرب يتقدمون بشروطهم التي قد تستثير بعض خلفاء غانتس. القائمة العربية المشتركة تستطيع أن توفر مثل هذه الشبكة حتى لو امتنع عن ذلك نواب التجمع الثلاثة.
في هذا المقام، يثير الخلاف الموجود في القائمة العربية المشتركة شيئاً من القلق، الأمر الذي يهدد باستمرار وحدتها من ناحية، وبمنعها من استثمار دورها لصالح الفلسطينيين الذين انتخبوها والقضية الفلسطينية بصفة عامة.
الخيار الثاني المرجح، هو أن تتدحرج الأوضاع نحو الذهاب إلى الانتخابات للمرة الثالثة، بعد بضعة أشهر.
في هذه الحالة، سيبدأ المستشار القضائي التحقيقات مع نتنياهو، الذي طلب، في محاولة مسرحية، أن تجري التحقيقات بشفافية أمام وسائل الإعلام، الأمر الذي رفضه المستشار.
لكأن نتنياهو يعرف مسبقاً أن طلبه سيكون مرفوضاً، ولكنه يحاول استدرار عواطف مواطنيه، على اعتبار أنه واثق من براءته، وأنه ضحية مكائد تستهدفه عن قصد من باب الانتقام، ولإنهاء حياته السياسية، وتشويه سمعته.
ليبرمان الذي بدأ يائساً ويدرك أبعاد الجاري يحذر من جولة أخرى من الانتخابات، يقول: إنها لن تأت بنتيجة مختلفة.. ولذلك فإنه يناشد كلاً من نتنياهو وغانتس، أن بإمكانهما معاً تشكيل حكومة بخمسة وستين مقعداً، ومن دون الحاجة لإسرائيل بيتنا أو أي أطراف أخرى.
ينهي ليبرمان مناشدته، بأن "شعب إسرائيل لن يسامحكم إذا توجهتم إلى جولة انتخابية أخرى لمجرد المسائل الشخصية والأنا". في الواقع، فإن كلام ليبرمان صحيح، إذ إن الدوافع الشخصية الأنانية لإنقاذ الذات من قبل نتنياهو، وللانتقام منه من قبل غانتس وحلفائه هي التي تحرك الواقع وتدفع الأمور إلى اتجاهات مخالفة لإمكانية تشكيل حكومة جديدة.
في هذه الأثناء، يعلن السفير الأميركي، المستوطن ديفيد فريدمان، أن خطة السلام (صفقة القرن) سيتم الإعلان عنها قبل نهاية العام الجاري. ويؤكد لصحيفة "جيروساليم بوست" الإسرائيلية أن هذا الأمر قريب من خط النهاية، وأنه يريد نشرها في بيئة تكون فيها حكومة قادرة على التفاعل مع الخطة، أي مع حكومة قائمة يمكن الحديث معها.
متفائل، من دون سبب فريدمان، حين يقول: إنه غير متشائم بشأن رد الفعل الفلسطيني، وإن العالم متعطش لمقترح يقدم حلاً واقعياً للصراع المستمر منذ مئة عام أو أكثر.
من أين جاء كل هذا التفاؤل لدى المستوطن فريدمان وهو لاعب أساس في طاقم الإدارة الأميركية لإدارة السياسة في ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إذ إن الموقف الفلسطيني الرافض لتلك الصفقة أكثر من جدي وأكثر من واضح، فيما من غير الأكيد أن تكون لدى إسرائيل الحكومة التي يتحدث عنها، إلا إذا بدلت الإدارة الأميركية أحصنتها، في اتجاه دعم تشكيل حكومة برئاسة غانتس.
كان قبله زميله جيسون غرينبلات، قد حرض المجتمع الدولي على الامتناع عن تقديم الدعم للفلسطينيين، باعتبار أن ذلك لم يؤد إلى أن يدفع الفلسطينيون الثمن المقابل. مثل هذا التصريح يدل على فشل الولايات المتحدة في سياسة الابتزاز التي مارستها على الفلسطينيين، والتي كانت نتيجتها حتى الآن، استمرار السلطة رغم ما تعانيه من أزمات مالية، وتصعيد في الموقف المتحدي للولايات المتحدة وصفقتها وسياستها. وعلى الرغم من كل ذلك فإن اتجاهات الأحداث تظل مفتوحة على احتمالات كثيرة.