بقلم - سليمان جودة
تبدو زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى الرياض، في ٧ من هذا الشهر، وكأنها رد على زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى جدة في ١٦ يوليو!.
وقتها، عقد بايدن قمة أمريكية سعودية، ومعها قمة أمريكية عربية، وعندما جاء الرئيس الصينى فإنه عقد ثلاث قمم، بدءًا بالقمة الصينية السعودية، ومرورًا بالقمة الصينية الخليجية، وانتهاءً بالقمة الصينية العربية!.
في شهر يوليو، كان الرئيس الأمريكى قد جاء وهو يقول إن بلاده قررت العودة إلى المنطقة، وإنها تصحح بعودتها خطأً كانت قد ارتكبته عندما انشغلت بجنوب شرق آسيا عن المنطقة، وإن واشنطن لن تترك الشرق الأوسط للروس ولا للصينيين.
ولكن لأن الصينيين أكثر حكمة، فالرئيس جين بينج بدا أكثر تحفظًا في الحديث عن زيارته، ولم يشأ أن يضعها في مقارنة مع الزيارة الأمريكية، وقد ظهر تحفظه السياسى واضحًا وهو يصف القمم الثلاث بأنها: أكبر وأهم نشاط دبلوماسى لبلاده مع العرب!.
وفى عبارته سوف تلاحظ أنه أولًا لم يصف النشاط الذي تابعناه في القمم الثلاث بأنه «اقتصادى» مثلًا، مع أنه كان كذلك لحمًا ودمًا، ولم يشأ ثانيًا أن يتحدث عن أنه نشاط «سياسى»، ولكنه فضل كلمة «دبلوماسى» في وصف الزيارة، بما يعنى أنه كان يختار كلماته وهو يتحدث.
لقد اختار أن يتكلم بهذه اللهجة، مع أن بلاده هي الاقتصاد الثانى في العالم بعد الولايات المتحدة، ومع أن حكومته تعمل على أن تنتقل باقتصادها إلى المرتبة الأولى.. ولكنها فيما يظهر أمامنا تحرص على ألّا يجرى استدراجها إلى ما يُعطلها عن بلوغ هذا الهدف، ولذلك، تكلم الرئيس شى بلهجة هادئة لا تستفز أحدًا، ولا تجعل طرفًا آخر يعوق حركته عن الذهاب إلى الهدف البعيد.
وهذه مدرسة صينية في السياسة فيما يبدو.. وكنا قد رأينا ملمحًا من ملامحها في الصيف، عندما بادرت نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة، بزيارة استفزازية إلى تايوان.. ففى ذلك الوقت وقف العالم على أطراف أقدامه لأن الزيارة كانت تستفز الصين علانيةً، وعلى مشهد من الدنيا، ولكن بكين ابتلعت زيارة بيلوسى، وهى لا تستسيغها، وتصرفت بما معناه أن موعد معركتها مع الخصم الأمريكى تحدده هي ولا يحدده الطرف الآخر!.. ولا تبتعد القمم الثلاث عن العزف المنفرد على هذا اللحن!.