صورة وراءها قضية

صورة وراءها قضية

صورة وراءها قضية

 العرب اليوم -

صورة وراءها قضية

بقلم - سليمان جودة

كان الرئيس ماكي سال، رئيس السنغال، قد أصدر سيرة ذاتية في 2021 بعنوان «السنغال في القلب» عن المكتب الثقافي للكتاب في الدار البيضاء.

وكان قد تناول فيها الكثير من القضايا في حياته وفي تاريخ بلاده، وكانت قضية الهجرة في مقدمة القضايا التي تعرض لها بالتفصيل، وكانت عنده إما هجرة داخل البلد الواحد من الأطراف إلى المركز، وإما هجرة من جنوب البحر المتوسط إلى شماله حيث تقع أوروبا.

وتقديره في كتاب السيرة أن سبب الهجرة واحد في الحالتين، وأن هذا السبب هو البحث عن فرصة عمل. وكان ظنه ولا يزال أن توفير هذه الفرصة كفيل بوقف الهجرة داخل البلد الواحد من أطرافه إلى عاصمته، ثم من جنوب البحر في أفريقيا إلى شماله في أوروبا.

ويذكر أنه التقى يوماً مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، في العاصمة داكار، وأن قضية الهجرة كانت على رأس جدول أعمالهما، وأنه صارحها بأن الحل العملي لهذه القضية لا بد أن يمشي في مسارين؛ أولهما أن تساعد القارة العجوز أفريقيا في إتاحة فرص عمل على أرضها لأبنائها من خلال برامج تعاون واضحة، والمسار الآخر أن تعمل القارتان على صياغة عصرية لقوانين الحركة والتنقل والسفر.

تذكرت هذا كله وأنا أطالع صورة نشرتها وكالات الأنباء للرئيس التونسي قيس سعيد، وفي الصورة معه تبدو رئيسة وزراء إيطاليا، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس وزراء هولندا، وكان اللقاء بين الأربعة في قصر قرطاج، ومن التفاصيل المنشورة نفهم أن الصورة وراءها قضية في ملف الهجرة الذي يشغل العالم هذه الأيام.

فالأربعة اجتمعوا ليناقشوا قضية واحدة هي قضية الهجرة الأفريقية من القارة السمراء إلى القارة الأوروبية، وبالذات من الشواطئ التونسية المطلة على المتوسط.

والمسؤولون الأوروبيون الثلاثة جاءوا يعرضون المساعدات على الحكومة التونسية، ويتكلمون عن دعم ستقدمه أوروبا للاقتصاد التونسي، ويذكرون أرقاماً كبيرة سوف يقدمونها، والهدف وقف الهجرة عبر تونس من جنوب البحر إلى شماله.

ولا أعرف لماذا تونس بالذات بوصفها نقطة انطلاق للهجرة؟ فالساحل الأفريقي يضم أكثر من دولة، وبعضها يملك شواطئ أطول من الشواطئ التونسية على البحر، وربما كان ذلك هو الذي جعل الرئيس سعيد يقول في حضور ضيوفه الثلاثة، إن بلاده لن تعمل حارس حدود بالنسبة إلى القارة الأوروبية.

ولكن اللافت أن الثلاثة لما قدموا عروض المساعدة، ربطوا تقديمها بتوصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، رغم أنهم يعرفون أن قيس سعيد معترض على شروط الصندوق، وأنه تكلم عن هذه الشروط خلال حديث أخير له مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقال إنها تشبه عود ثقاب مشتعل.

وهذه حقيقة لمن يتابع برامج الصندوق وعلاقته بالكثير من الدول حول العالم، ولكنها قصة أخرى يطول الكلام فيها.

واللافت للانتباه أكثر أن الأوروبيين وهُم يعرضون المساعدات لوقف الهجرة، كانوا يفعلون ذلك لأسباب سياسية خالصة، لا لأسباب إنسانية تتصل بالمهاجرين واللاجئين، ولا بشيء من الظروف المأساوية التي يغادرون فيها بلادهم تحت ضغط الحاجة وسوء الحال.

وقد فعلها الأوروبيون من قبل مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ولكن في الحالة التركية كان إردوغان يبادر ويضغط، بل كان يهدد بإطلاق المهاجرين واللاجئين السوريين إلى الأراضي الأوروبية، وكان يطلب ثمن بقائهم على أرضه، وكان الأوروبيون يخضعون ويدفعون ولا يتأخرون. وكانوا يقدمون للرئيس التركي ما يطلبه، لا لأنهم مشفقون على اللاجئين والمهاجرين، ولا لأنهم متعاطفون معهم ومع قضيتهم، ولكن لأنهم لا يريدونهم على الأراضي الأوروبية، ولا يريدون المشكلات التي قد تترتب على وصولهم إلى القارة الأوروبية، ولا يريدون من أي لاجئ أو مهاجر أن يزاحم الأوروبي في حياته.

وفي الحالة التونسية كانوا هُم الذين جاءوا يخطبون ود الرئيس سعيد، ولا يغيّر من ذلك أن يكونوا قد ربطوا مساعداتهم بالاتفاق مع الصندوق.

ولكنك تكتشف في الحالتين التركية سابقاً والتونسية حالياً، أن الأوروبيين يتعاملون مع العَرَض في الموضوع لا مع المرض في قضية الهجرة، وتكتشف أن تشخيص المرض كان دقيقاً في كتاب الرئيس السنغالي، وأن التعامل لا بديل عن أن يكون مع الأصل في القضية وليس مع الظل.

فالمساعدات التي يعرضونها على تونس تعالج القضية في لحظتها الحالية، وتوقف موجات الهجرة في هذه الأيام، ولكنها لا تتطلع إلى بعيد ولا ترى ما يمكن أن يكون في الأفق، إذا دام الحال في الكثير من بلاد القارة السمراء على ما هو عليه.

إن تونس ممر للهجرة وليست مقراً، وإذا كانت أوروبا جادة في إغلاق الممر، فإنها مدعوّة إلى أن تقدم جهداً حقيقياً لوقف الحرب في السودان مثلاً، لأن استمرار القتال هناك لن يجعل القارة الأوروبية تنام، وسوف يضع في مكان كل مهاجر في تونس عشرة من المهاجرين.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة وراءها قضية صورة وراءها قضية



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 04:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات فساتين زواج فخمة واستثنائية لعروس 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab