القيصر ومستشاروه

القيصر ومستشاروه

القيصر ومستشاروه

 العرب اليوم -

القيصر ومستشاروه

بقلم - سليمان جودة

لم نكن نعرف أن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستشاراً رابعاً في القصر، إلى أن تكلم عن بولندا المجاورة بما أغضب البولنديين، وأثار لديهم كثيراً من المخاوف والهواجس.

فمن قبل كان سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قد قال ما معناه أن للرئيس بوتين مستشارين ثلاثة، وأنهم: إيفان الرهيب، وبطرس الأكبر، ثم كاترين الكبرى. هكذا على التوالي، وهكذا بالتتابع، وهكذا تجدهم وكأنهم يصطفون في مكتب القيصر فيستدعيهم إذا أحب، ويطلب المشورة منهم إذا شاء، ولا يبخلون عليه بما يطلبه، كما نرى في سياساته ونتابع.

ولو أن أحداً منا ذهب يستقصي عنهم، فسوف يجد أنهم عاشوا في قرون ثلاثة متتالية، وأن القرون الثلاثة بدأت من القرن السادس عشر، وانتهت عند القرن الثامن عشر، وأنهم شهدوها وماتوا فيها، بهذا الترتيب في الأسماء وفي القرون.

ومما يبدو أمامنا نكتشف أن بوتين يتطلع إلى كل واحد فيهم، ولسان حاله يردد ما نردده نحن هنا في المنطقة العربية، عن أن الله -تعالى- يبعث على رأس كل قرن مَنْ يجدد للمسلمين شأن دينهم، وأن جمال الدين الأفغاني على سبيل المثال كان هو الذي بعثه الله على رأس القرن التاسع العشر، وأن الأستاذ الإمام محمد عبده جاء على رأس القرن العشرين، رغم أنه مات بعد بدايته بخمس سنوات، ثم ينشأ الخلاف بعد ذلك حول من يكون على رأس القرن الحادي والعشرين.

شيء من هذا تجده لدى الرئيس الروسي، وهو يتطلع إلى الثلاثة في أزمانهم، ثم وهو يضع نفسه أمامهم باعتباره صاحب هذا القرن في مسيرة القوة والتجديد التي كانوا هُم قد بدأوها، ثم رأى أن يستأنفها هو. وعندما خرج على العالم يقول إن بعضاً من الأراضي البولندية كانت في الأصل هدية من جوزيف ستالين، فإنه قد وضع هذا الأخير في سياق يضم الثلاثة القدامى، ثم يضمه هو أيضاً معهم، لتكتمل السلسلة منهم مجتمعين في آخر المطاف.

حديثه عن بولندا بهذه الطريقة جدد الخوف لدى كل بولندي، وأشاع التشاؤم تجاه عمليته العسكرية التي بدأها في أوكرانيا قبل سنة ونصف سنة، دون أن يضع لها حداً تتوقف عنده، وبغير أن يكشف عن طبيعة الأهداف التي يقول إن العملية ستتوقف عندما تنجح في تحقيقها على الأرض.

وهو لم ينتبه إلى أن العالم لو أخذ بهذا المنطق الذي تكلم به عن بولندا، فلن تبقى دولة في العالم على حالها، وسوف تجد كل دولة في أرض الدولة الجارة لها ما يشبه هذا الذي يجده بوتين، وهو يتذكر أياماً عاش فيها ستالين في القرن الماضي.

لا مشكلة طبعاً في أن يكون مستشاروه أربعة، أو حتى عشرة، ولكن المشكلة هي في أن يكونوا هناك؛ حيث هُم في مثواهم، لا هنا؛ حيث نحن وحيث العالم المعاصر بطبيعته المغايرة، فالأربعة كانوا من رموز القوة الروسية وعنفوانها، وكانوا لا يجدون صعوبة كبيرة في ضم أرض الغير، وكان زمانهم يسعفهم، وكيف لا يسعفهم وهو زمانهم الذي عاشوا وماتوا فيه؟

إن استدعاء الماضي برموزه يظل يصادف هوى لدى كثيرين بيننا، وعلى كل مستوى، لا على مستوى السياسة وحدها، ولكن التجربة تقول لنا إن استدعاءه لا بد من أن يكون مما يفيد في طبيعة العصر، لا مما يزيد من تعقيدات الحياة، ولا مما يقف عقبة في طريق الذين يعيشون هذه الحياة.

وإلى وقت قريب كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يمارس لعبة الاستدعاء، وكان لا يكف عن استدعاء سلاطين آل عثمان، وكان يتطلع إلى العصر من خلال نظارة السلاطين الستة والثلاثين الذين تعاقبوا على الإمبراطورية العثمانية عبر قرون، ولكنه في النهاية انتبه إلى أن استدعاءهم «لا ينتج في الدعوى» كما يقول أهل القانون.

وحين تبين له ذلك أخذ خطوة إلى الوراء، ثم طوى صفحتهم، ثم راح يتصرف بوحي من العصر ومن حقائقه. وهذا ما يبدو أن الرئيس بوتين في حاجة إليه، وأن يرى في الطريقة التي صار الرئيس التركي يتصرف بها ما يتعين عليه أن يراه.

لقد عاش إردوغان سنوات لا يرى غير الإمبراطورية العثمانية، ولكنه لم يلبث حتى عاد عن هذا، ولم يلبث حتى أدرك أن ما يشغله يعوق خطواته أكثر مما يسهلها، وأنه مدعو إلى أن يكون أكثر واقعية، وأن سنوات انشغاله بهذا خصمت من رصيده في الإقليم، ولم تكن مما يضيف إليه. اتخذ القيصر مستشارين أربعة، ثم عاين الحصيلة أمامه، ولو هجر الأربعة إلى مستشار خامس من نوع إردوغان الذي نراه، فالحصيلة بالتأكيد ستأتي مختلفة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيصر ومستشاروه القيصر ومستشاروه



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab