بقلم - سليمان جودة
لا يفصل بيننا وبين اليونان إلا البحر المتوسط، الذى تقع المحروسة على شاطئه الجنوبى، بينما يقع بلد سقراط على الشاطئ الشمالى المقابل لنا تمامًا، ومع ذلك، فما أبعد المسافة بين الوضع السكانى هنا وبينه هناك.
تستطيع أن تجد ملامح هذا الوضع فيما قالته صوفى زاكاراكيس، وزير التماسك الاجتماعى والأسرة فى الحكومة اليونانية، وهى ترصد حوافز جديدة للذين سوف ينجبون مزيدًا من الأطفال!.. فمن قبل كانت الوزارة التى تتولاها الوزيرة صوفيا تمنح ٢٠٠٠ يورو للأسرة عند إنجاب طفلها الأول، وكانت تتصور أن هذا الرقم سوف يغرى كل أسرة بالإنجاب.
ولكن يبدو أن الرقم لم يشجع الأُسر اليونانية على الإنجاب بما يكفى، فنظرت الوزارة سريعًا فى الأمر، وقررت أن ترفع الحافز إلى ٢٤٠٠ يورو.. ولأن إنجاب طفل واحد فى كل أسرة ليس هو الطموح الذى تسعى إليه البلاد، فإنها قد رصدت ٢٧٠٠ يورو مكافأة على إنجاب الطفل الثانى، ثم ٣٠٠٠ يورو للطفل الثالث.
هذا ما سوف يجرى العمل به بدءًا من أول إبريل المقبل، وهذا ما أعلنته الوزيرة صوفيا، وسوف يتبين لها ولحكومتها لاحقًا ما إذا كانت حوافز ومكافآت بهذا القدر تكفى لإنقاذ اليونان من المشكلة التى تواجهها، أم أن الحكومة سيكون عليها أن تضيف إلى هذه الأرقام!.
المشكلة فى اليونان هى ارتفاع معدل الشيخوخة، وتراجع عدد السكان، واتجاه عدد كبير من الشباب إلى البحث عن فرصة عمل خارج اليونان!.
وليست اليونان هى الدولة الأولى التى ترصد مثل هذه المكافآت، فاليابان قد سبقتها، واستحدثت وزارة فى الحكومة مهمتها تشجيع اليابانيين على الإنجاب، أما روسيا فإن الرئيس بوتين قد رصد مليون روبل لمَن ينجب عشرة أطفال!.
واليونان ليست فقط بلد سقراط، الذى بلغ احترامه للقانون إلى حد أنه رفض مخالفته لينجو من تنفيذ حكم الإعدام عليه، ولكنها بلد أفلاطون، الذى أنشأ جمهورية على الورق، وسماها باسمه، وكان تقديره أنها جمهورية لا يحكمها إلا الفلاسفة، وأن ذلك إذا حدث فسوف تكون جمهورية مثالية، ومن بعد سقراط وأفلاطون جاء أرسطو، الذى حكم مسيرة الفلسفة فى العالم لسنوات طويلة.. وإذا كان التراجع فى عدد السكان يؤرق اليونان فى القرن الحادى والعشرين، فالعبرة فى الحقيقة ليست بالعدد ولا بالتعداد لأن اليونان القديمة سادت العالم بهؤلاء الرجال الثلاثة، الذين عاشوا قبل ما يقرب من ٢٥٠٠ سنة.