بقلم - سليمان جودة
لا أستغرب دخول إسرائيل إلى رفح فى اللحظة نفسها التى أعلنت فيها حركة حماس قبول اتفاق هدنة عملت عليه القاهرة لوقت طويل.
لا أستغربه ويجب ألا نستغربه، لا لشىء إلا لأننا لو رجعنا إلى أحداث الأيام القليلة الماضية سنكتشف أن بنيامين نتنياهو قال صراحةً إنه سيدخل رفح بهدنة وبغير هدنة.. وحتى لو اعتبرنا أن تصريحاته بهذا الشأن كانت على سبيل الضغط على حماس، وكذلك على الأطراف التى تعمل على صياغة اتفاق هدنة يوقف الحرب، فإن علينا أن نرجع إلى ما هو أبعد من الأيام القليلة الماضية.
عندها سنكتشف أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، هددا نتنياهو فى العلن بأنهما سينسحبان من حكومته على الفور إذا لم يدخل رفح.
ولا يعنى انسحابهما إلا انهيار الحكومة، ولا يعنى انهيارها شيئًا إلا أن يجد نتنياهو أنه يقف عاريًا بلا غطاء سياسى يُحصنه ضد الملاحقات القضائية، فلا يكون عليه ساعتها إلا أن يقف أمام العدالة مرتين: مرة أمام لجنة تنتظره لتحاسبه على تقصيره فى هجوم السابع من أكتوبر الذى قامت به كتائب عز الدين القسام على المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة، ومرةً ثانية عن ثلاث قضايا فساد متهم فيها قبل وقوع الهجوم.
ولابد أننا نذكر لجنة أجرانات الإسرائيلية التى تشكلت بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، واستدعت أمامها كل القادة الإسرائيليين لتحاسبهم على الهزيمة الكبرى التى أصابت إسرائيل.
عندما اتخذ السادات قرار الحرب وحقق النصر.. وقتها لم تشأ اللجنة أن تستثنى أحدًا، فجاءت بالساسة والقادة الإسرائيليين جميعًا أمامها، من أول جولدا مائير، رئيسة الحكومة، إلى موشى ديان، وزير الدفاع، إلى ديڤيد أليعازر، رئيس أركان الجيش، ثم إيلى زعيرا، مدير المخابرات الحربية، وأدانتهم واحدًا من بعد واحد.
هذا ما ينتظر نتنياهو على مستوى الإدانة السياسية، ثم تنتظره الإدانة الجنائية فى قضايا الفساد الثلاث.. ولأن المتطرف بن غفير يعرف ذلك جيدًا، ومعه المتطرف مثله سموتريتش، فإنهما يمسكان برئيس الحكومة من يده التى توجعه، ويتحكمان فيه وفى حكومته وكأنهما هما اللذان يرأسانها لا هو.
بنيامين نتنياهو يسعى منذ هجوم السابع من أكتوبر إلى إنقاذ رقبته من سيف العدالة فى بلاده، لا إلى إنقاذ إسرائيل.. هذا إذا تكلمنا عن عدالة الأرض، أما عدالة السماء فلابد أن لها معه شأنًا آخر.