استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس

استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس!

استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس!

 العرب اليوم -

استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس

بقلم - سليمان جودة

في أيام وباء كورونا كانت جامعة جون هوبكنز الأميركية تنشر بيانات الوباء في العالم أولاً بأول، وكانت تفعل ذلك بطريقة علمية تبني المقدمات على نتائجها، وكانت مرجعاً في أخبار كورونا وفي تفاصيله، وكانت على درجة من المصداقية في ما تعلنه وتقوله.

واليوم أصبح كورونا شيئاً من الماضي، كوباء لا كمرض، وتوارت أخباره في ملاعب الإعلام، وتراجعت المساحة التي كان يحتلها في اهتمام الناس، وفي مراكز العلم التي كانت تنشغل به، وفي المقدمة منها هذه الجامعة الأميركية والمركز العلمي المتخصص فيها.

ولكن مثل هذا المركز لا يغلق أبوابه مع انحسار وباء مثل كورونا، وإنما يظل عنده ما يملأ عليه تفكيره، ومن ذلك ما أعلنته جون هوبكنز ومركزها العلمي مؤخراً عن مؤشر البؤس بين دول العالم.

ولا يهمنا كثيراً هنا في المنطقة أن تكون فنزويلا هي الدولة الثانية في مؤشر الدول البائسة، فبيننا وبينها في موقعها على الخريطة في أميركا الجنوبية ما يزيد على نصف يوم من السفر بالطائرة، اللّهم إلا أن يكون التعاطف معها من الناحية الإنسانية الخالصة، التي تجعلنا نتعاطف مع الإنسان فيها وفي كل مكان... ولكن هذا لا يمنع أن نظل نتساءل عن السبب الذي يجعل دولة مثلها في موقع متقدم جداً بين الدول المنتجة للنفط، ثم في موقع متقدم جداً بالتوازي في قائمة الدول الأشد بؤساً في الأرض؟!

ويهمنا في المقابل أن تكون زيمبابوي في المرتبة رقم واحد بين دول القائمة، فهي إحدى دول القارة السمراء القريبة منا بحكم الجغرافيا، ثم إن ما يقرب من نصف الدول العربية دول أفريقية في الوقت ذاته، وبالتالي فانتماؤها إلى أفريقيا يتوازى مع انتمائها العربي.

ولكن الذي سوف يؤلم أكثر أن تكون ثلاث دول عربية في الدول الخمس الأولى في هذا المؤشر، وأن تقول التفاصيل المنشورة إن سوريا هي الدولة الثالثة، ولبنان الدولة الرابعة، والسودان الدولة الخامسة!... وربما لا يكون من قبيل الجديد في شيء، أن يكون اليمن السعيد في المرتبة السابعة، فما تمارسه جماعة الحوثي على أرضه لا تجعله سعيداً كما عرفناه في اسمه على الأقل.

ومما يقوله مؤشر الجامعة وهو ينشر التفاصيل على الناس، أنه لا يمشي وراء استطلاعات الرأي في إثبات وجود البؤس من عدمه، ربما لأنه قد ثبت أن الأفراد الذين يشملهم أي استطلاع رأي، لا يذكرون في العادة حقيقة ما يشعرون به، إذا وجدوا أنفسهم طرفاً في استطلاع يسألهم عن شيء يتصل بحياتهم.

وقد ثبت هذا بالفعل في حالات كثيرة، وكان السبب أن الشخص الذي يخضع مع غيره لاستطلاع رأي، يظل يعتقد في الغالب أن حكومته تقف وراء الاستطلاع وتراقبه، وأنها ستعاقب الذين يتفاعلون مع الاستطلاع بإجابات سلبية، ولذلك؛ فالعينة المختارة في استطلاعات رأي كثيرة تعطي إجابات خادعة، وتتحدث على العكس تماماً مما يشعر به كل فرد من أفرادها، ويصف كل واحد منهم ما لا يجده في نفسه ولا يستشعره، ويفعل ذلك اتقاءً لشر يتوقعه من الحكومة التي يرى شبحها وهو يجيب!

ومن النادر أن نجد مراكز استطلاع رأي يثق فيها الناس، فلا يكذبون وهُم يجيبون عن أسئلتها، ولا يلونون الإجابات فتأتي على غير الحقيقة التي يسعى إلى استكشافها مركز الاستطلاع.

ولأن مركز هوبكنز يريد أن يكون موضع ثقة في مؤشر البؤس وهو يعلنه، فإنه اعتمد فيه على أشياء لا يمكن التشكيك فيها؛ لأنها معلنة من جانب كل دولة، ولأنها ليست من الأشياء التي تستطيع الدولة إخفاءها.

من هذه الأشياء معدل النمو في الدولة على سبيل المثال، ومنها حجم الناتج المحلي، ومنها معدل البطالة، ومنها معدل التضخم الذي يقيس المستوى العام لارتفاعات الأسعار. وكلها كما ترى مؤشرات تعرفها كل دولة عن الأخرى، ولا يمكن أن تكون سراً من الأسرار بين الدول.

وفي غمرة الحملة الانتخابية بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، كان اللاجئون السوريون وقوداً في الحملة، وكانوا حاضرين كموضوع في القلب منها، وكانوا ورقة في أيدي الرجلين على السواء.

وكان هذا يعني أن البؤس لا يزال يلاحق المواطن السوري في الحالتين: حالته وهو في داخل بلاده متمسكاً بالبقاء فيها، أو حالته وهو خارج الحدود يبحث عن مكان آمن هناك.

وفي قمة جدة العربية الأخيرة عادت سوريا إلى مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية، وكانت عودتها ما أسعد كل عربي محب لها. ولم تكن العودة شيكاً على بياض في حقيقة الأمر، ولكنها كانت حسب مبدأ «خطوة في مقابل خطوة» الذي يعني أن تقدم الحكومة السورية ما ينتشل السوريين في الخارج من مربع البؤس والتعاسة.

كثير علينا أن تكون أربع دول عربية بين أول سبع دول في مؤشر البؤس في العالم، وكثير علينا أن نكتشف ونحن نستعرض أسماء الدول الأربع، أن البؤس فيها ليس نقصاً في مال ولا في موارد، ولكنه شُح في سوق الهمة وفي سوق الإرادة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس استطلاع عن أربع دول لم يسأل الناس



GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab