بقلم - سليمان جودة
خيط رفيع يربط مبادرة «نوابغ العرب»، التي جرى توزيع جوائزها في الثامن من هذا الشهر في دبي، مع قمة الحكومات العالمية التي تنعقد في دبي أيضاً في كل سنة، ورغم أنه خيط رفيع إلا أنه لا يخلو من دلالة ولا من إشارة.
الفائزون هم الأساتذة والدكاترة الآتية أسماؤهم: هاني نجم في الطب، فاضل أديب في الهندسة والتكنولوجيا، محمد العريان في الاقتصاد، نيڤين خشاب في العلوم الطبيعية، لينا الغطمة في العمارة والتصميم، واسيني الأعرج في الأدب والفنون.
لاحظ هنا أن هاني نجم سعودي، وأن فاضل أديب لبناني، وأن محمد العريان مصري، وأن نيڤين خشاب لبنانية، وأن لينا الغطمة لبنانية، وأن واسيني الأعرج جزائري، وبالتالي، فإنهم ليسوا فقط موزعين على أنحاء الخريطة العربية، وإنما جميعهم من خارج الإمارات.
وهذا ما قصدته بالضبط عندما أشرت إلى خيط رفيع يربط بين الفائزين هنا في مبادرة نوابغ العرب، وبين الفائزين هناك في جائزة «أحسن وزير» التي تعلنها وتوزعها قمة الحكومات في موعدها من كل سنة.
فمنذ البداية أعلنت القمة العالمية للحكومات في دبي أن الوزراء الأعضاء في الحكومة الإماراتية لا يدخلون في منافسة للحصول على هذه الجائزة، وأنهم ليسوا طرفاً فيها، ليس بالطبع لأنهم لا يستطيعون الحصول عليها، بل العكس صحيح لأن لديهم مؤهلات حصدها بسهولة، وإنما حفاظاً على حيادية الجائزة وموضوعيتها وقدرتها على أن تتحرك على خريطة اختياراتها بسهولة وبغير عوائق.
وهكذا جرى الإعلان عن جائزة القمة في أكثر من دورة، وقد نالها مرة وزير المالية الأندونيسي، ومرة أخرى حصل عليها وزير الصحة الأفغاني، ومرة ثالثة ذهبت إلى وزيرة الصحة السنغالية، ومرة رابعة أخذها وزير من أمريكا الجنوبية، ولم يحدث أن نالها وزير إماراتي، وكانت في كل المرات ترغب في أن تحافظ على ما ألزمت به نفسها منذ البداية.. وكان هذا مما أعطاها مصداقية عالية، وجعل وزراء كثيرون في المنطقة وفي خارجها يودون لو أنهم جاءوا على قائمتها الفائزة ذات يوم.
وعندما جرى توزيع جوائز نوابغ العرب كانت هذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها هذه المبادرة، ورغم أنه لم يتم الإعلان عن أنها ستختار فائزيها من خارج الإمارات، إلا أن نظرة عابرة على أسماء الفائزين ثم على بلدانهم التي جاءوا إلى الدنيا فيها، تقول إن ما ألزمت القمة الحكومية نفسها به سوف يجري فيما يبدو على مبادرة النوابغ، لقد كان من السهل أن يكون بين الستة الفائزين إماراتي أو أكثر، تماماً كما هو الحال مع الوزراء الإماراتيين في موضوع قمة الحكومات، ولكن الذين يقومون على المبادرة وعلى القمة يرون أن الجوائز أنه لا شيء يمنح المصداقية سوى المعايير التي تتحرى الموضوعية.
والقصة في الحالتين، حالة قمة الحكومات وحالة نوابغ العرب، أن الإدارة القائمة على دبي ترى في كل نجاح في المنطقة نجاحاً لها، وتتمنى لو انتقلت تجربة دبي الناجحة في المال والأعمال إلى كل بقعة عربية، ولا تتقاعس عن إتاحة تجربتها لمن يريد الاستفادة منها في أرجاء المنطقة، لا لشيء، إلا لأنها تؤمن بأن النجاح في منطقتنا يمكن أن يخضع لنظرية الأواني المستطرقة التي تجعل النجاح هنا نجاحاً بطبيعته هناك.
الخيط الرفيع الذي أشرت إليه في أول هذه السطور يقول لنا، إن وراء القمة والمبادرة فلسفة حاكمة، وإنها فلسفة تنطوي على معنى مستقر بمثل ما تحمل قيمة باقية.