سيف المؤسس الثاني

سيف المؤسس الثاني

سيف المؤسس الثاني

 العرب اليوم -

سيف المؤسس الثاني

بقلم - سليمان جودة

أحصَى أبو الطيب المتنبي سبعة أشياء كانت تَعرفه وكان هو يعرفها، وعندما ذكر ذلك في بيت الشعر الشهير، فإنَّه جعل السيفَ رابعَ الأشياء السبعة.

لقد عاش أبو الطيب يقول:

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

ولم يكن هو الوحيد الذي راح يتغنَّى بالسيف في يده، فمن بعده ومن قبله فعلها شعراء كثيرون، وكانوا كلهم يضعون السيف حيث يجب أن يوضع، بوصفه الأداة التي كانت وربما لا تزال رمزاً للبطولة في ميادين المعارك.

كان ذلك في زمن المتنبي في القرن الرابع الهجري، وفي أزمان متفرقة للشعراء على امتداد القرون المتتالية، ولكنَّ سيفاً واحداً هو الذي اشتهر على مدى القرون الثلاثة الأخيرة، هو سيف الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، الذي وضع أساس الدولة السعودية الثانية في الربع الأول من القرن التاسع عشر.

وقبل عامين، كان خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد أصدر مرسوماً ملكياً بأن يكون الثاني والعشرون من فبراير (شباط) في كل سنة يوماً للتأسيس، وأن يكون إجازة رسمية في البلاد، وأن تحتفل به المملكة وتحتفي، وأن يظل يقال فيه للمواطنين ماذا جرى في هذا اليوم من هذا الشهر في تلك السنة، وماذا بالضبط يمثل لهم وللأجيال المقبلة من بعدهم؟

وليس يوم التأسيس إلا يوم 22 من فبراير في عام 1727، ففيه أسَّس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى، وقد كانت عاصمتها الدرعية التي لا تزال تروي من مكانها قصة التأسيس الأول في ذلك اليوم البعيد.

ومن بعد الدولة الأولى كان السعوديون على موعد في القرن التالي، وبالتحديد عام 1824 مع الإمام تركي مؤسس الدولة السعودية الثانية، وقد كان حفيداً للمؤسس الأول، وكان يقتفي أثره ويمضي من ورائه على خُطاه، أما رفيقه في رحلة التأسيس الثانية فكان سيفاً اقترن به واشتهر بأنه: السيف الأجرب.

وقبل فترة كنت قد زرت مقر وكالة الأنباء السعودية في مقرها في الرياض، وكانت تستضيف معرضاً للأشياء التي تشكل تاريخ المملكة وترسمه على مدى السنين، وكان ذلك السيف الشهير من بين ما استضافته الوكالة في معرضها، وقد ظللتُ أدور في قاعة المعرض، ولكنّي في كل مرة كنت أتوقف أمام السيف وأتأمله، وكنت أتساءل بيني وبين نفسي عن السبب الذي أعطاه كل هذا الصيت في التاريخ السعودي بامتداد ثلاثة قرون كاملة؟

وكانت السطور التي تشرح قصته كافية، فمنها تعرف أنه السيف الذي لم يكن يفارق مؤسس الدولة الثانية، وأنه شهد بطولات ومعارك لا آخر لها، وأن صاحبه كان يتفاءل به ويعتز، ربما لأن النصر كان يصادفه كلما خرج بسيفه قاصداً توحيد ركن من أركان الدولة، وإرساء جدار في مبناها الذي كان يرفعه ويؤسس له وقتها.

أما لماذا سُمي الأجرب، فلأن الصدأ كان قد تراكم على نصله، ولأن ذلك قد صار علامة من علاماته، وهي علامة لا تدل على صدأ تراكم وفقط، ولكنها تدل على حدة السيف الأجرب وعلى مضائه في يد صاحبه، وإلا ما كان قد فضّله على بقية السيوف، وما كان قد منحه هذه المكانة بين كل السيوف التي علا صليلها في ميادين القتال.

ورغم أن صفة الأجرب ليست من الصفات المُحببة عموماً، ولا هي مما يمكن أن يوصف بها إنسان فتكون مديحاً في حقه، بل إنها في حالة الإنسان لا تقال إلا على سبيل الذم، فإنها في حالة سيف الإمام تركي تحولت إلى صفة مُحببة، وتناسى الذين يشاهدون السيف أو يقرأون عن قصته، أنها من صفات الذم في الإنسان، وجعلوها مما يمكن أن نمتدح به السيف فيذكرها مواطنو المملكة ويذكرونه على سبيل التقدير والامتنان لما كان منهما معاً: السيف والصفة.

وبمثل ما كانت الدولة السعودية الثانية مسبوقة بالأولى، فلقد جاءت من بعدها الدولة الثالثة التي أطلقها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في 1902، فكانت دولته هي الطريق إلى الإعلان عن قيام السعودية على يديه بخريطتها القائمة في 1932.

وقد قيل في تاريخ الإسلام إن الله تعالى كان يقيّض له على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد له شبابه ويعيد إحياء مسعاه بين الناس.

وإذا صح هذا في تاريخ الدين، وهو يصح في أحيان كثيرة، فإنه يصح في المقابل على نحو آخر في طريق السياسة التي أسَّست للدولة السعودية عبر مراحلها، فكان الأمام محمد بن سعود على رأس القرن الثامن عشر، ومن بعده جاء الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود على رأس القرن التاسع عشر، ومن بعدهما كان التاريخ ينتظر الملك عبد العزيز آل سعود على رأس القرن العشرين... وهكذا مرّ تاريخ المملكة عبر قرون ثلاثة، وكان كل قرن منها يأخذ مما سبقه ويبني عليه.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيف المؤسس الثاني سيف المؤسس الثاني



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 العرب اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم

GMT 02:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

استشهاد أكثر من 40 شخصًا في غارات إسرائيلية على لبنان

GMT 10:37 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف 3 قواعد إسرائيلية برشقات صاروخية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab