بقلم - سليمان جودة
لا تزال الصورة الصحفية قادرة على التعبير عما لا يستطيع الكلام التعبير عنه، مهما كانت الكلمات كثيرة أو طويلة، ولا يزال الكاريكاتير أقدر فنون الصحافة على التعبير عن المعانى الكبيرة فى كلمات قليلة.. وفى وقت من الأوقات كان فنان الكاريكاتير محمود كحيل يرسم الكاريكاتير اليومى فى صحيفة الشرق الأوسط اللندنية دون أن يشرحه بكلمة واحدة.
كان يرسم الكاريكاتير وفقط، وكانت ريشته تجرى بالخطوط مجردة على الورق لا أكثر، وكنت أنت تتطلع إلى الكاريكاتير فتفهم ما يقصده كحيل من وراء الرسم دون عناء، وبغير أن يفصح هو عن أى شىء مما يقصده، وكانت معانيه واضحة وقوية، ولم يكن أحد من قراء الصحيفة يخطئ فى فهم المعنى المقصود.
والصورة التى نقلت لنا استقبال الرئيس الصينى شى جين بينج، وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، كانت تقول الكثير رغم أنها كانت بلا كلام يشرح ما فيها.. كان بلينكن هو أرفع مسؤول أمريكى يزور بكين منذ جاء بايدن إلى السلطة، وكانت الزيارة هى الأولى لوزير خارجية أمريكى إلى الصين منذ خمس سنوات، وكانت قد تأجلت فى فبراير بسبب منطاد التجسس الصينى الذى أسقطته الولايات المتحدة فوق أرضها.
فالرئيس شى ظهر فى الصورة واقفًا فى أقصى القاعة الواسعة التى جرى فيها الاستقبال، وفى المقابل كان بلينكن يبدو مهرولًا من أول القاعة وهو يقطع خطواته فى اتجاه الرئيس الصينى، الذى كان قد مد يده فى مكانه ليصافح الوزير الأمريكى حين يصل إليه!.
كان من الممكن أن تنشر الحكومة الصينية صورة لهما وهما يجلسان خلال اللقاء الذى استمر ٣٥ دقيقة، وكان من الممكن أن تكون الصورة فى اللحظة التى يودع فيها الرئيس ضيفه الوزير، وكان من الممكن أن تكون الصورة لقطة تذكارية لهما بعد انتهاء اللقاء، وكانت هناك لقطات كثيرة يمكن أن تنشرها الصحافة بعد اللقاء.
ولكن هذه اللقطة بالذات بدَت وكأنها مقصودة، وكان القصد فيها واضحًا، وكان المعنى فى وقوف الرئيس ثابتًا فى مكانه، ثم فى سعى الوزير إليه، أن الصين تجلس فى مكانها وتنتظر، وأنها ليست فى عجلة من أمرها فى سباقها مع الولايات المتحدة فى مجال الاقتصاد على الأقل، وأن أمريكا هى مَن تسعى إلى الزيارة واللقاء، وأن الصينيين يستعينون بمخزون من الصبر كالعادة، وأن المسؤولين الأمريكيين إذا رغبوا فى المجىء فأهلًا وسهلًا.
وحتى «أهلًا وسهلًا» هذه ليست متاحة فى كل الأحوال، ولا دليل على ذلك أكثر من أن وزير الدفاع الأمريكى طلب لقاء نظيره الصينى، قبل أيام، فاعتذر الأخير!