بقلم - سليمان جودة
وافق الرابع عشر من هذا الشهر عيد الحب حول العالم، ولا يزال هو اليوم الذي يسعد فيه المحبون من سنة إلى سنة.
هذا عنه على مستوى الحب، وهذا عنه على مستوى العشق والعاشقين، وإذا كانت الكلمتان الأخيرتان سوف تثيران حساسية من نوع ما لدى المتزمتين بيننا، فمن الممكن النظر إليهما بالمعنى الصوفي لدى الصوفية والمتصوفين.
ولكن ماذا عنه على مستوى السياسة في منطقتنا، التي لا تكاد تبرأ من مرض سياسي، حتى تكون قد أصيبت بمرض جديد؟ سوف نظل نذكر أنه اليوم الذي زار فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصر، فكانت زيارته إلى المحروسة هي الأولى منذ 12 عاماً، ولم تكن الزيارة بعد هذه السنوات وفقط، ولكنها جاءت بعد قطيعة بين البلدين، وبين موقف سياسي سلبي من جانب أنقرة تجاه القاهرة لم يكن له ما يبرره، وقد كان كذلك بالفعل، والدليل هو هذه العودة التركية إلى قاهرة المعز.
كانت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر هي بداية القطيعة التركية تجاه مصر، ولم يكن المصريون قد أخطأوا في شيء في حق الأتراك، وكان كل ما فعلوه أنهم ثاروا على جماعة الإخوان، ورفضوا أن تضع نفسها فوق الدولة المصرية، ولم يتخذوا هذا الموقف إزاءها إلا بعد أن منحوها فرصة لعام كامل، فلما سقطت في الاختبار كان لا بد من تعديل المسار «فكان ما كان على حد تعبير الشاعر، فظن خيراً ولا تسأل عن السبب».. هكذا عاش الشاعر القديم يردد، وهكذا عاش يعلمنا في مثل هذا الموقف.
ولم تبادل الدولة المصرية أنقرة عداءً بعداء، ولا ردت على ما صدر هناك في تركيا من تجاوزات كانت لا تراعي التقاليد التي لا بد أن تكون مرعية بين الدول، واعتصمت مصر بالصبر في مواجهة الموقف التركي المتجاوز وقتها، وقد طال الصبر من جانب مصر حتى صار صبراً استراتيجياً كما يقول الإخوة الإيرانيون، ولم تكن الحكومة المصرية تيأس وهي تعتصم بالصبر، لا لشيء، إلا لأنها كانت تعرف أنها على الطريق الصحيح في التعامل مع ما يخرج من العاصمة التركية ضدها، وكانت تدرك أن الذين يقولون إنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، لم يقولوا ذلك من فراغ، ولكن قالوه عن رصيد من التجربة الطويلة، على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول معاً.
ولأن الوقت كفيل بكل المشكلات، فإنه تكفل بما بين البلدين من مشكلات، وقد كانت كلها قادمة من هناك في تركيا، ولو أن أحداً راح يراجع ما كان منذ ما بعد 30 يونيو إلى يوم الزيارة، فسوف يجد أن مصر لم تكن بادئة بأي عداء، ولا كانت راغبة في أي خصومة سياسية، وأنها قالت فيما بينها وبين نفسها، أن الحكومة التركية سرعان ما سوف تعود عما اتخذته من مواقف، وهذا بالضبط ما جرى، وكل ما في الأمر أنه استغرق بعض الوقت.
صحيح أن ما أقدمت عليه تركيا من موقف متشدد وقتها تجاه مصر، كان يخلو من الحكمة السياسية التي لا بد أن تميز مواقف دولة كبيرة بحجم تركيا، ولكن الأصح أن الرئيس أردوغان أثبت ولا يزال يثبت أنه رجل سياسة من طراز رفيع، وأنه لما اكتشف أن الاستمرار في موقفه سيضر بمصالح بلاده، عاد عنه واستدار ليستدرك ما فاته منذ أيام القطيعة.
وهو لم يفعل هذا مع مصر وحدها، ولكنه فعله مع أكثر من دولة في المنطقة، وكان ولا يزال يتصرف بما يقول إنه صاحب مدرسة، ليس فقط في الاقتصاد فقط بما أدخل بلاده مجموعة العشرين، ولكن أيضاً في الممارسة السياسية التي لا تستنكف العودة عن أمر بدا ضرره، أو تبين فيه ما كان الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب يقوله، عن أن العودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل.. وهذا ما سوف يظل محسوباً في ميزان أردوغان عند التقييم في المحصلة الأخيرة.