بقلم: سليمان جودة
على كثرة ما نشرت وسائل الإعلام من تفاصيل حول ما جرى فى مخيم النصيرات، فإنها لم تتوقف أمام شىء كان لا بد من رصده أمام العالم من حولنا.. المخيم يقع فى وسط قطاع غزة كما نعرف، والإسرائيليون اقتحموه قبل يومين، وحرروا أربع رهائن من بين آخرين تحتجزهم حركة حماس منذ هجوم ٧ أكتوبر.. لكن.. ليست القضية فى أنهم حرروا الرهائن الأربع، ولكنها كما لفت انتباهى الوزير إبراهيم فوزى أن الرهائن الأربع المُحرَّرين فى كامل اللياقة الصحية، وقد ظهروا أمام الكاميرات عند نقلهم إلى أسرهم فى إسرائيل، وكأنهم عائدون من نزهة لا من قبضة الأسر!.
هذه مسألة لم تستوقف الذين نقلوا الخبر إلى الناس وأذاعوه حول العالم، وقد كان ذلك أَوْلَى وأهم لأن الرهائن الأربع عائدون من احتجاز تحت الأرض دام ثمانية أشهر كاملة، ومع ذلك، فإنهم طوال هذه المدة كانوا موضع عناية، كما تقول ملامح وجوههم التى ظهروا بها أمام العدسات.
لنا فى المقابل أن نتصور حال أربعة من الأسرى الفلسطينيين وقد عادوا من السجون الإسرائيلية بعد احتجاز ٨ أيام لا ٨ أشهر.. لنا أن نتصور حالهم، ولنا أن نتخيل حجم ما خضعوا له فى سجون الدولة العبرية من معاناة، ولنا أن نرصد الفارق بين الحالتين، وأن نضع ذلك كله أمام العالم الذى يتفرج على هذه المقتلة فى غزة.
وإذا كنت أصفها بأنها مقتلة، فهذا أقل ما يمكن أن توصف به، وإذا شئت فراجع ما حدث فى واقعة مخيم النصيرات نفسها.. فالإسرائيليون قتلوا وأصابوا ١٠٠٠ فلسطينى فى مقابل تحرير أربع رهائن لهم، أى أنهم قتلوا وأصابوا ٢٥٠ فلسطينيًّا فى مقابل كل رهينة واحدة لا غير.. فإذا أضفت إلى ذلك أن الرهائن الأربع خرجوا سالمين معافين وفى أحسن حال كما بدا من صورهم، فإن الصورة تكتمل، وتدعونا إلى أن نضعها بكل رتوشها أمام الدنيا.
هذه بالتأكيد مجرد صورة من بين صور لأن الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة هى حرب صورة أكثر منها أى شىء آخر.. وإذا شئت مرةً أخرى فراجع الصورة التى التقطها محمد سالم، مصور وكالة رويترز، وفازت بجائزة صورة العام.. الصورة كانت لفلسطينية من خان يونس تحتضن جثة ابنة شقيقها ذات الأعوام الخمسة، وهى ممددة وملفوفة فى كفنها الأبيض الناصع!.. إن علينا أن نضع هذه الصورة أمام صورة الرهائن الأربع، ثم نرسلها إلى كل مكان فى العالم.. والبقية سوف يتكفل بها أصحاب الضمائر الحُرة فى عالمنا المتفرج