بقلم - سليمان جودة
كان مارتن لوثر كينج هو الذي لفت انتباه كثيرين في بلاده وفى خارجها إلى «قوة الحُلم»، وكان هو الذي أثبت أن قوة الحُلم لدى الإنسان لا تكاد تماثلها قوة أخرى، وكان ذلك عندما أطلق صيحته الشهيرة: لدىَّ حلم.
ولأنه كان من الأفارقة الأمريكيين، فإن الحلم الذي عاش يتكلم عنه طوال حياته كان أن يتحرر هؤلاء الأفارقة في الولايات المتحدة، وألّا يكون لونهم الأسود عائقًا في حياتهم ولا عقبة في طريقهم، وأن يحصلوا على الحقوق نفسها التي يحصل عليها الأمريكى الأبيض، لا لشىء، إلا لأنهم مواطنون في بلد واحد في النهاية.
ومن قبل كانت السيدة روزا باركس من بين الأفارقة الأمريكيين أيضًا، وكانت هي التي بدأت طريقًا جاء «كينج» ليُكمله، وكانت قد صعدت الأتوبيس ذات يوم، ثم اتجهت إلى المكان المخصص للمواطنين البِيض، وجلست فيه، وصممت على أن تبقى في مكانها إلى آخر الرحلة.
كانت هذه هي البداية في 1958، ومن بعد «روزا» كان على «كينج» أن يقطع الشوط إلى آخره، وعندما جرى اغتياله في 1968 بدت عملية الاغتيال وكأنها محاولة لوأد الحلم الذي كان يملكه، أو كأنها رغبة في كتم الصيحة التي كان هو يطلقها عاليًا، ولكن ثبت بعدها أن الاغتيال لم يُوقف الحلم ولم يُبدده، وأن نضال الرجل الأسود لم يذهب سُدى، وأنه لا شىء أقوى من الحلم في العالم، وأن الحلم له قوة السحر لدى مَنْ يملكه.
وعندما دخل باراك أوباما البيت الأبيض رئيسًا في 2008، كان ذلك نوعًا من قوة الدفع التي أطلقتها روزا باركس ومعها مارتن لوثر كينج.
والمؤكد أنه لولا قوة الحلم لدى دينج شياو بينج في الصين، ما كان الصينيون قد أصبحوا أصحاب الاقتصاد الثانى في العالم هذه الأيام.. فلقد راح الرجل يتطلع نحو سنغافورة، وراح يرى أن بلاده لا بد أن تغار منها، وأنه يستطيع أن يصنع نهضة في بلاده من نوع النهضة التي صنعها «لى كوان يو» في حياة كل سنغافورى. وهذا بالضبط ما جرى.
ورغم أن «شياو» بدأ قيادة الصين في سن الرابعة والسبعين، فإنه استطاع أن يأخذها إلى طريق نهضتها الحالية، ولم يكن ذلك إلا لشىء أساسى فيه يميزه، وكان هذا الشىء أنه كان يملك حلمًا لبلاده، وأنه كان يتمسك بتحقيق الحلم إلى آخر مدى.. ولم يكن حال مهاتير محمد في ماليزيا يختلف عن حال دينج شياو بينج، فلم يكن «مهاتير» يملك أكثر من الحلم، وكانت أحلامه تجعله يشعر وكأنه يملك الدنيا كلها.
ونحن جزء من العالم من حولنا، ولدينا حلمنا بالتأكيد، ونستطيع أن نصنع لبلدنا ما صنعه «شياو» في الصين، وما قام به «مهاتير» في ماليزيا، ونستطيع أن نصنع ما هو أكثر.. ولا أذكر هذين البلدين إلا على سبيل المثال لا الحصر طبعًا.