بقلم - سليمان جودة
كل يوم يتبين لنا أن التعليم لا بديل عن أن يكون أولوية أولى لدى الحكومة.. أى حكومة فى أى بلد.. ويتضح أمامنا أن عدم وضعه أولوية لا حدود لعواقبه.
وقد بقينا نتصور أن التعليم يقود الأمم إلى أن تكون بين الدول الناهضة وفقط، وأن هذا فى حد ذاته يكفى لأن يجعل كل أمة تحرص على أن تحجز مقعدها بين مثل هذه الدول.. ولكن جامعة نرويجية اسمها جامعة النرويج للصحة والتكنولوجيا، فاجأتنا من خلال دراسة علمية قامت بها، بما لم يكن يخطر على بالنا.
الجامعة قامت بدراسة على ٥٩ دولة، وجمعت عشرة آلاف معلومة فى دراستها، واستغرقت الدراسة حيزًا ورقيًا وصل إلى ٦٠٠ صفحة، ومن خلال كل هذا الجهد البحثى العلمى توصلت إلى أن المتعلمين يكونون فى العادة أصحاء، وأن المرض بكل أنواعه يظل فى انتظار الذين لا يلتحقون بمراحل التعليم المختلفة!.
ثم ماذا؟.. تقول الجامعة إن الدراسة كشفت عن أن مخاطر الوفاة على الشخص تقل بنسبة ٢ ٪ فى مقابل كل سنة يقضيها فى مقاعد الدراسة، وأنه كلما قضى سنوات أطول فى مقاعد التعليم طال عُمره وتحسنته صحته!.
شىء عجيب حقاً ما توصلت إليه الجامعة فى دراستها الشيقة المهمة، لأن ما تكشف عنه يظل جديدًا من نوعه، ويجعل الاهتمام بالتعليم فى المستقبل همًا لدى الشخص نفسه، قبل أن يكون اهتماما من جانب الحكومة تجاه رعاياها.. فالحكومة قد تقرر أن يكون التعليم أولوية فى سياستها، ثم تأتى عوائق تمنعها من أن تمضى إلى تنفيذ ما قررته، فلا تعرف ساعتها ماذا عليها أن تفعل، ويظل الأمر يؤرقها سياسيًا لأنه متعلق بترتيبها بين الحكومات، وبموقع الدولة بين الدول التى تذهب إلى أولويتها التعليمية من أقصر طريق.
أما الفرد فيختلف، لأنه بعد نشر هذه الدراسة النرويجية سوف يدرك أن التعليم لا يتعلق فقط بوضعه الاجتماعى بين الناس، وإنما يتصل بصحته وعُمره معًا، ولذلك، فيا روح ما بعدك روح كما نقول، وسوف يكون حرص الفرد على تعليم نفسه، أو تعليم مَنْ يعولهم هاجساً لا يفارقه فى يقظة ولا فى منام.. وكيف يفارقه وهو يعرف أن المسألة مسألة حياة أو موت؟ وما هو أغرب من كل ما سبقت الإشارة إليه فى الدراسة.
أنها تقول إن عدم التعليم مطلقاً يساوى تأثير تدخين عشر سجائر يوميًا لمدة عشر سنوات!.. والحسبة بالورقة والقلم تقول إن غير المتعلم يبدو وكأنه دخن ٣٦٥٠٠ سيجارة، وبدون أن يكون فى الحقيقة قد شرب سيجارة واحدة!.. وبالعربى الفصيح، فإن عدم التعليم يساوى الانتحار بالنسبة للشخص غير المتعلم.. وعلى كل شخص بالتالى أن يختار.