بقلم - سليمان جودة
يستحق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن يحمل لقب رجل الواقعية السياسية فى المنطقة، وربما يستحق أن يحمله على مستوى العالم فلا يكون له منافس.
فهو فى وقت من الأوقات كان على خصومة سياسية شديدة مع الخليج، وبالذات مع السعودية والإمارات، وكانت خصومته معهما تتصاعد وتتزايد وتشتد، ولكنه فى لحظة أدرك أن له مصالح اقتصادية كبيرة مع البلدين، فقفز فوق كل الخصومات والخلافات والتوترات، ولم يجد أى حرج فى أن يعود إلى حيث كان مع الرياض وأبوظبى قبل الخصومة، وصارت العلاقة بينه وبين الدولتين على أفضل ما يكون تقريبًا!.
وفى مرحلة أخرى ساءت علاقته مع مصر وتدهورت، وكان السبب من عنده لا من عندنا، وكان هو قد راح يتبنى جماعة الإخوان ويسمح لعناصر فيها بالهجوم على المحروسة من داخل بلاده، وكانت القاهرة طويلة البال معه إلى حدود بعيدة، وكانت تراهن على أن رهانه على الإخوان لن يطول، وهذا ما حدث فعاد هو يطلب تحسين العلاقة مع قاهرة المعز.
وكانت القاهرة تبادله خطوة بخطوة فى طريق العودة بالعلاقات إلى ما كانت عليه فى السابق، واستغرق الأمر وقتًا غير قصير، ولكن العلاقة بين البلدين عادت طبيعية أو شبه طبيعية، وكانت الخلفية فى هذا كله أنه راح يمارس واقعيته السياسية عندما أدرك أن مصلحة بلاده على المدى البعيد هى مع الدولة المصرية، وأن مصلحته مع الجماعة هى بطبيعتها قصيرة العُمر، وأنه عندما يتعامل معنا هنا فهو يقيم علاقة بين دولة تركية كبيرة ودولة مصرية كبيرة أيضًا، لا علاقة بين دولة وجماعة، فاستدار على الفور عائدًا إلى ما كان بين الأتراك والمصريين.
ولا نهاية لواقعيته السياسية العجيبة.. ومن بين حلقاتها الأخيرة علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، التى طلبت منه الموافقة على دخول السويد عضوًا فى حلف شمال الأطلنطى.. إن تركيا عضو فى الحلف، ولا يمكن إلحاق عضو جديد به إلا بموافقة الأعضاء جميعًا، وقد حظى موضوع السويد بموافقة جميع أعضاء الحلف إلا تركيا، التى احتجت ورفضت وقالت ذلك فى العلن، ولا تزال السويد خارج الحلف رغم أن موضوع عضويتها مطروح على المائدة منذ أكثر من سنة.
وعادت واشنطن تضغط عليه ليوافق، ولم يجد أردوغان حرجًا فى أن يصارح الأمريكيين بأنه على استعداد للموافقة على إلحاق السويد، ولكن ذلك من جانبه لن يكون بالمجان، وإنما له ثمن على الولايات المتحدة أن تدفعه، وكان الثمن أنه يريد ٤٠ مقاتلة أمريكية من طراز إف ١٦ المتقدم، كما أنه يريد عددًا من المُعدات العسكرية التى يحتاجها لتحديث قواته الجوية.
وقد ربط هذه بتلك، وقال إنه فى اللحظة التى ستوافق فيها الإدارة الأمريكية على طلباته، سيوافق على العضوية السويدية فى الحلف.. ولم تجد إدارة جو بايدن مفرًّا من أن توافق، وألمحت إلى موافقتها فى آخر تصريح صادر عن البنتاجون!.. وليست هذه الأمثلة الثلاثة سوى عينة من معين واسع عنده لا يجف ولا ينضب!.