بقلم: سليمان جودة
كان البابا شنودة رجلا خفيف الظل، وقد سألوه ذات يوم عن محافظ قبطى كان فى محافظة قنا فقال: الحقيقة أنه محافظ على البعد عنى!.
وقد جاء يوم على السادات قرر فيه أن يكون المحافظ رئيس جمهورية فى محافظته.. والذين عاشوا التجربة وعايشوها فى السبعينيات لا بد أنهم يذكرونها، وكانت تجربة مصحوبة باهتمام إعلامى شديد فى بدايتها، لولا أنها كانت قصيرة النفس شأن الكثير من تجارب العمل العام!.
وكان السادات يتحدث عن صلاحيات واسعة للمحافظ فى كل محافظة، وكان يريده رئيس جمهورية فى محافظته إلا قليلا.. لكن عملية كهذه كانت فى حاجة إلى أشياء أبعد من التمنيات الرئاسية، وكانت فى حاجة إلى تشريعات قانونية ترافقها، وكانت فى حاجة إلى قانون مختلف للحكم المحلى، وكانت فى حاجة إلى تصور مغاير لما سيكون على المحافظ أن يقوم به فى مكانه!.
ولأن شيئاً من هذا كله لم يتم، فإن التجربة الساداتية قد اختفت برحيل الرجل، وبقيت المحافظات فى مواقعها تنتظر محافظين يتسلم الواحد منهم محافظته، ثم يأبى إلا أن يسلمها لمن جاء بعده، وقد اختلفت عما كانت يوم جاءها محافظاً!.. عاشت المحافظات تنتظر هذا ولا تزال تنتظره!.
ولاتزال التجارب المختلفة من محافظة إلى أخرى اجتهادا من صاحبها لا أكثر.. ولاتزال تجربة المستشار عدلى حسين فى القليوبية والمنوفية ترتبط به وتحمل بصماته.. فلقد سعى منذ يومه الأول فى المحافظتين إلى أن يترك كل محافظة منهما على غير ما تسلمها!. والتجارب العملية من نوع تجربته نادرة، ومنها تجربة اللواء عادل لبيب فى قنا، ولا تعرف لماذا لم يحملها معه عندما ذهب محافظا إلى الإسكندرية، ولا لماذا لما تولى وزارة الحكم المحلى لاحقاً لم ينقل تجربته إلى المحافظين جميعاً ولم يعمم تجربته فى قنا؟!.
ومن قبل عدلى حسين وعادل لبيب كان الدكتور عبدالمنعم عمارة صاحب تجربة معروفة فى الإسماعيلية، والمؤكد أن المحافظة تتمنى اليوم لو جاءها رجل فى مثل عزيمته!.. والمؤكد أيضا أن المحافظات سوف تنتقل إلى مربع آخر لو جاءها محافظون من نوعية هؤلاء الرجال الثلاثة!.. ولايزال الدكتور محمد شتا، خبير الإدارة المحلية، يعتقد أن المحافظ الذى لا ينجز فى محافظته واحد من اثنين: إما أنه لا يمارس صلاحياته كما يجب، أو أنه لا يعرف أصلا أن لديه صلاحيات.