بقلم: سليمان جودة
أكثر من مرة يستوقفنى شخص في عرض الشارع، ويطلب مساعدة لأنه فقد حافظة نقوده، ولأنه يريد أن يسافر إلى بلده خارج العاصمة!.وبعدها بفترة أجد الشخص نفسه في طريقى، وأجده يطلب المساعدة للسبب نفسه، وأحيانًا أراه من بعيد يكرر الطلب على آخرين، وألاحظهم وهم يسمعون منه الأسطوانة نفسها عن فلوسه التي فقدها، وعن رغبته في السفر إلى قريته البعيدة!.
وهو بالطبع ليس شخصًا واحدًا، ولكن التسول بهذه الطريقة تحول إلى ما يشبه المهنة.. ومن الواضح أنه يعود بحصيلة على الذين يحترفونه، وإلا لمَا كانوا قد استمروا فيه، وما كان آخرون قد انضموا إليهم، وما كان الأمر قد أصبح ظاهرة مقلقة لمَن يتابعها، وأصبح بالتالى في حاجة للتدخل من جانب الأجهزة المسؤولة عن تحقيق الانضباط في الشارع!.
أقول ذلك لأن المسألة انتقلت من مطاردة المواطنين إلى مطاردة السياح، وقد رأيت ذلك بعينى مرات، وسمعت غيرى يشكو منه وينبه إلى خطورته، ورأيته يقع أمامى مع سياح عرب وأجانب، ورأيتهم يحاولون التخلص من إلحاح المتسول بهذه الطريقة فلا يستطيعون.
وإذا شاء أحد أن يرى التسول على أسوأ ما يكون، فليذهب إلى مقاهى الحسين مثلًا، وهناك سوف يرى الموضوع زائدًا على الحد، وسوف يراه على صورة مقززة، وسوف يرى السائح مسكينًا يحاول الفرار، بينما المتسول يشده من ثيابه ويلاحقه!.
المتسولون موجودون في كل بلد، ولا علاقة لكثرتهم أو قلتهم بفقر البلد أو ثرائه، ولا تخلو لندن من المتسولين ولا باريس ولا واشنطن بجلالة قدرها.. ولكن الفارق كبير بين أن تجد المتسول هناك جالسًا يعزف على آلة موسيقية، تاركًا الأمر لكرم ولطف العابرين، أو تجده واقفًا في مكانه يمد يده دون مطاردة ولا يحزنون، وبين أن تجده هنا ممسكًا بثياب السائح في إصرار، أو تجده يضرب بيده على زجاج السيارة، منبهًا صاحبها الجالس داخلها، وبعنف!.. وقد وصل الأمر إلى حد أن عمال النظافة تركوا عملهم، وتفرغوا لمطاردة المارين، بينما المقشات في أياديهم.. والأغرب أنهم يفعلون ذلك وهم يرتدون زى العمل الذي يميزهم عن غيرهم!!.
إذا لم تكن صورتنا أو صورة البلد تهمنا، فالسياحة التي نراهن على دخلها تدعونا إلى أن نهتم لأن السائح الذي يرى ذلك ويعانيه سوف يحكيه لأصحابه ومعارفه عندما يعود إلى بلاده، وسوف تدفع سياحتنا الثمن من لحمها الحى!.