بقلم: سليمان جودة
لم يكن فوز بنيامين نتنياهو، فى انتخابات الكنيست التى جرت أول هذا الشهر، غريبًا ولا جديدًا لأن نتنياهو، المعروف بانتمائه إلى تيار اليمين السياسى المتطرف لأبعد مدى، كان قد فاز مرات من قبل، ولا جديد بالتالى فى فوزه فى حد ذاته!.
الانتخابات التى فاز فيها هى الخامسة من نوعها خلال ما يقرب من العامين، وهناك توقعات بأنها قد تجرى للمرة السادسة قريبًا، وبأن يفوز فيها هو نفسه من جديد!.
فما الغريب وما الجديد؟!.. الغريب والجديد معًا أن فوزه بكل ما يمثله من فوز للتشدد السياسى جاء فى ذكرى اغتيال إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، على يد متطرف إسرائيلى.. فلقد كان رابين متحمسًا للسلام مع الفلسطينيين، وكان طرفًا فى اتفاقيات أوسلو للسلام.. وعندما حصل على جائزة نوبل فى السلام، كان ذلك بالمناصفة مع ياسر عرفات.. ولكن متطرفًا إسرائيليًّا، اسمه إيجال عامير، تربص له، وقضى على حياته، فى مثل هذا الشهر من عام ١٩٩٥!.
اقرأ المزيد..
وإذا كان فوز نتنياهو فى ذكرى الاغتيال يحمل الكثير من المعانى، فربما يكون المعنى الأهم أن الفوز يبدو وكأنه الاغتيال الثانى لرابين!.. الاغتيال الثانى لفكرة الاعتدال أو شبه الاعتدال على الجانب الإسرائيلى!.
أما الأغرب فهو أن الفوز تحقق فى نفس يوم انعقاد القمة العربية ٣١ فى الجزائر.. وأما وجه الغرابة فهو أن بيان القمة فى ختامها أعلن التمسك بمبادرة السلام العربية، التى لا تزال مطروحة منذ أن قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى قمة بيروت العربية ٢٠٠٢!.
وأهمية المبادرة أن تقديمها من جانب الرياض لم يمنع أن تحمل الصفة «العربية» الجامعة.. ولأنها كذلك، فهى تحظى بمباركة من العواصم العربية كلها، وهى تجعل السلام مع الدولة العبرية مرهونًا بأن يكون عملية تبادلية بين العرب وإسرائيل.. فالعرب يعرضون فيها السلام بينهم جميعًا وبين تل أبيب، بشرط أن تعيد الأرض التى احتلتها إلى ما كانت عليه فى يوم ٤ يونيو ١٩٦٧!.. ولكن القبول بهذه الصيغة ليس سهلًا، ويحتاج إلى رجال على الجانب الآخر من صنف رابين، الذى دفع حياته لأنه آمن بالسلام!!.
وقد أبدت واشنطن انزعاجها من بوادر سيطرة التيار اليمينى المتطرف على الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، وقالت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إنها تنزعج من ذلك وترفضه.. وهذا فى حد ذاته شىء جيد طبعًا، ولكن المشكلة أنه انزعاج نظرى على الورق!.