بقلم - سليمان جودة
كتبت فى هذا المكان أتخيل لو أن الدكتور رؤوف غبور تولى أمر وزارة الصناعة والتجارة، وكان تقديرى أنه كان قادرًا على أن ينقل نجاحه الخاص إلى نجاح عام فى الوزارة، لأنه يرحمه الله كان بارعًا فى أمور التجارة وفى الصناعة معًا.
ولكن رجل الصناعة محمد جنيدى له رأى مختلف، ورأيه أن حبه لغبور لا يمنعه من القول بأن نجاحه فى مهمته وزيرًا لم يكن سيحدث!.
وهو يقول هذا الكلام عن تجربة له مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومع رئيس وزرائه عاطف صدقى، الذى استدعاه ذات يوم وأبلغه بأنه سيكون وزيرًا للصناعة، وأن هذه هى رغبة الرئيس.
كان الرئيس الأسبق قد سمع جنيدى يتحدث كثيرًا فى شؤون الصناعة، وكان قد سمعه يطرح الحلول لمشاكلها، فرأى أن يجعله وزيرًا لينفذ ما يقوله!، ولكنه رفض المنصب تمامًا، ولما سأله مبارك عن السبب، أخبره بأنه مستعد لقبول قرار منصب وزير الصناعة، إذا صدر معه قرار آخر يمنع دخوله السجن!.. وقد شرح القصة أكثر لرئيس الدولة فقال إن الوزارة محكومة بقانون صادر عام ١٩٥٨، وأن أول شىء سيفعله عند تسلم منصبه، هو نسف هذا القانون على الفور لأنه لا يستطيع العمل فى وجوده.. وهو لم يكن سيفعل هذا وفقط، ولكنه أبلغ مبارك وصدقى وقتها، بأنه سيراجع كل الجهات التابعة للوزارة، وسيعيد إلى الوزارات الأخرى كل ما يراه من هذه الجهات عبئًا على وزارة الصناعة.. وبما أنه سيقلب الدنيا فى الوزارة هكذا، وسيصطدم بأوضاع مستقرة، وبمستفيدين من بقائها على حالها، فليس من المستبعد أن يجد السجن فى انتظاره!.
الغريب أن عاطف صدقى لما سمع ذلك سكت، ثم صرف النظر عن موضوع تكليفه وزيرًا، ولو أنصف نفسه وبلده لكان قد دعاه إلى أن يأتى وأن يغير القانون ويراجع ما يراه، ما دام الهدف هو أن تحقق وزارة مثل الصناعة الهدف من وجودها!.
هذه قصة حقيقية سمعتها من صاحبها، وهى قصة تدعونا إلى أن نتذكرها مع كل تعديل أو تغيير فى الحكومة.. ففيها معنى أساسى هو الأهم.. هذا المعنى هو أن التغيير الحقيقى ليس تغيير أشخاص ولن يكون، ولكنه تغيير أوضاع وسياسات.. فالأوضاع القانونية والإدارية المتوارثة، تظل أقوى من الشخص المسؤول حتى ولو كان «عبقرى زمانه»، وتظل تقيده وتخضعه لمنطقها هى، وتظل تستدرجه إلى ملعبها هى، فيغادر الوزارة فى الغالب كما دخلها، اللهم إلا القليل النادر الذى يمثل الاستثناء لا القاعدة!.