بقلم: سليمان جودة
خلال جولة فى متحف البحرين الوطنى رأيتهم يؤرخون للكتاتيب فى البلاد قديمًا، فتذكرت الجدل الدائر حول الكتاتيب فى المحروسة.
ففى المتحف فى العاصمة المنامة سوف ترى مُجسمًا يصور «المُطوّع».. وهذا هو اسم شيخ الكُتّاب هناك.. سوف تراه يجلس على الأرض بين الأطفال، وسوف ترى كل طفل وقد أمسك بالمصحف فى يده، أو وضعه على شىء يحمله أمامه، وسوف ترى الأطفال يتطلعون إلى المُطوّع يأخذون عنه القرآن، فإذا شبّوا كانوا قد حفظوا، وكانوا قد تعلموا اللغة، وكانوا قد عرفوا قواعد النطق الصحيح الذى يؤسس لمعرفة قوية باللغة الوطنية.
وفى المتحف أيضًا مشهد آخر يؤرخ للاحتفال بالطفل إذا أتم حفظ كتاب الله، فكانوا يطوفون به فى الحارة وهُم يُنشدون ويحتفلون.. تمامًا كما كانت كل قبيلة من قبائل العرب تحتفل قبل الإسلام إذا ظهر فيها شاعر!.
ولا يزال الكُتاب ضرورة فى التعليم عندنا، لأن التعليم فيه يتم فى الصغر، ولأنه يظل يصاحب الطفل بعدها كالنقش على الحجر.
ولا أرى أى تعارض بين الكتاتيب وبين علوم العصر، فالكتاتيب ليست مكانًا للتعليم بالمعنى الكامل للكلمة، لأن التعليم مكانه المدرسة والجامعة فى مرحلة لاحقة أو موازية للكُتاب، ولأن الطفل الذى يتردد على الكُتاب لا يحصل على شهادة تقول إنه متخرج فيه، ولأن كل ما يحصل عليه الطفل من الكُتاب أنه يحفظ القرآن، وأنه يتحصل على معرفة مبكرة بقواعد ومبادئ لغته الصحيحة.
فإذا ذهب فيما بعد يتعلم فى أرقى جامعات الدنيا، فلن يمنعه الكُتاب فى شىء، ولن يقف فى طريقه إذا قرر أن يتعلم كل لغات العالم.. بل بالعكس.. سوف يساعده، وسوف يكون قد أسس لما ينفعه فى ذاكرته وفى وجدانه.
كان طه حسين يتردد على الكُتاب فى «عزبة الكيلو» حيث نشأ فى المنيا، وعندما كتب «الأيام» تحدث فيها عن «العريف» الذى يماثل المُطوّع فى البحرين، وفى محافظات الدلتا يسمونه «سيدنا» ولم يذكر عميد الأدب العربى فى سيرته الذاتية ما يشير إلى أنه تضرر من التعلم على يد العريف.. صحيح أنه راح يتندر على طريقته فى تعليم الصغار، وعلى ما كان يحصل عليه منهم من أطعمة يأتون بها من بيوتهم ليتقوا عصاه، ولكن الكُتاب بقى ركنًا أساسيًا فى تعليم طه حسين، وفى نبوغه، وفى عبقريته، وفى صقل قدرته على التعبير السهل عما يريد أن يقول.
الكتاتيب ليست شرًّا، وتصويرها على أنها ضد العصر، أو علوم العصر، أو طبيعة العصر، أمر غير صحيح بالمرة.