بقلم - سليمان جودة
كان الرئيس السادات صحفيًا بالفطرة والمهنة معًا، وكان قد عمل في دار التحرير التي تصدر جريدة الجمهورية فترة من حياته، وكان يتابع الصحافة أكثر من كثير من الصحفيين، وكان معجبًا بمجلة «الحوادث» اللبنانية على وجه الخصوص.
وعندما طلب من أنيس منصور إصدار مجلة «أكتوبر»، دعاه إلى أن تكون قريبة من الحوادث لصاحبها سليم اللوزى، وفى مرحلة ما قبل صدور «أكتوبر» كان يراجع أعدادها الزيرو بنفسه، ولا نزال نذكر الصور التي تجمعه مع أنيس أثناء عملية المراجعة.
وفى كتاب «محاوراتى مع السادات» لأحمد بهاء الدين، يذكر أنه لما تولى رئاسة تحرير الأهرام، كان السادات دائم الاتصال به والحديث معه في شؤون الجريدة، وليس في أمور السياسة وحدها، وكان يُدهش بهاء الدين أن السادات يعرف أسماء أعضاء ما يسمى بالديسك المركزى في الجريدة، وليس سرًا أن هؤلاء الأعضاء هُم المسؤولون عن إعادة صياغة المادة الصحفية الإخبارية وعن إعدادها للنشر، وكذلك عن إخراج صفحات الجريدة كلها إلى النور في النهاية.
وكان يُدهش بهاء الدين أكثر أن السادات كان يسأله أثناء لقاءاتهما في استراحة القناطر الخيرية عن فلان عضو الديسك المركزى، وكان يدعوه إلى أن يأخذ باله من فلان هذا، لأن توجهاته السياسية ليست على ما يرام.
ومن شدة إعجاب السادات بمجلة «أكتوبر» كان يخصها بالأخبار التي تنفرد بها ولا تحصل عليها مجلة أو جريدة غيرها، وكان ذلك مما يعمل على رواج «أكتوبر» بشكل لافت، وكنا نشتريها لا لنقرأها وفقط، ولكن لنحتفظ بأعدادها في بيوتنا.. وكان إعجابه بمجلة الحوادث تعبيرًا عن إعجاب أكبر بالصحافة اللبنانية، التي كانت تجمع بين الشطارة في المهنة، وبين القدرة على القيام بدور حقيقى في لبنان وفى المنطقة كلها.
وكانت جريدة «السفير» في المقدمة من الصحف الحيوية الكبيرة في بيروت، وكان صاحبها ورئيس تحريرها طلال سلمان من نجوم المهنة والكتابة، وعندما وجد نفسه مضطرًا إلى وقف صدورها في ٤ يناير ٢٠١٧، كان يفعل ذلك وهو يعرف أنه يوقف رئته عن التنفس.
وقد شيع لبنان صاحب «السفير» قبل أيام، والحقيقة أنه مات في ٤ يناير ٢٠١٧، ولكنهم دفنوه في أغسطس ٢٠٢٣، لأنه بلا «سفير» في حياته وفى حياة بلاده كان بلا قدرة على الحياة!.