دبلوماسية الساحرة المستديرة

دبلوماسية الساحرة المستديرة

دبلوماسية الساحرة المستديرة

 العرب اليوم -

دبلوماسية الساحرة المستديرة

بقلم: سليمان جودة

لم يكن فريق تنس الطاولة الأميركي يتصور أن زيارته إلى الصين في 1971، سوف تظل مضرب الأمثال في كل مرحلة لاحقة، ولا كان الفريق يتخيل أن زيارته ستتحول إلى عنوان لدبلوماسية الكرة بين الدول.
ولا فرق بعد ذلك بين أن تكون الكرة هي تنس الطاولة في الحالة الأميركية - الصينية، أو تكون هي الساحرة المستديرة في الحالة المصرية - التركية هذه الأيام.
في الحالة الأولى كانت الزيارة كأنها بساط، مشى عليه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وهو يقرر زيارة بكين في السنة التالية.
قبلها كانت الفجوة بين البلدين عميقة، وكان الحاجز بينهما حصيناً كأنه سور الصين العظيم، وكان كل طرف يتهيب الآخر، وكانت زيارة كالتي قام بها سيد البيت الأبيض إلى العاصمة الصينية حلماً من الأحلام، وكان هنري كيسنجر، وزير خارجية نيكسون ومستشاره للأمن القومي، يفكر في طريقة يذوب بها الجليد الذي كان يتراكم بين الدولتين، وليس من المستبعد أن يكون كيسنجر بدهائه المعهود، هو مَنْ خطط لزيارة فريق تنس الطاولة من وراء ستار، أو يكون هو الذي ألقى بالفكرة على طاولة الصينيين من بعيد.
ليس هذا من المستبعد، لأن التوصل إلى اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب في مرحلة تالية يقول إن كيسنجر كان بارعاً في تحقيق مثل هذه الاختراقات في العلاقات بين الدول، سواء كانت هذه العلاقات بين بلاده والصين، أو كانت بين مصر وإسرائيل.
ومن الجائز أن تكون زيارة فريق تنس الطاولة هي اللافتة العريضة التي ظهرت أمامنا في وقتها، أما ما وراءها، وأما ما أدى إليها، فمن الممكن أن يكون جبل ثلج عائماً لا نرى منه غير رأسه الطافية.
شيء من هذا يمكن الحديث عنه في اللقاء الذي ضم الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس رجب طيب إردوغان، على هامش المونديال المنعقد في الدوحة.
وبمثل ما أن قطر كانت من 12 سنة تجهز للمونديال المقام على أرضها، بمثل ما أن لقاءً من نوع ما ضم الرئيسين لا يمكن أن يكون ابن لحظته المباشرة، ولا يمكن أن يكون قد نبت فجأة في رأس الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، الذي رعى اللقاء، ثم حضره يراقب أداء لغة الجسد بين السيسي وإردوغان.
على مدى سنة مضت أو أكثر، كانت لقاءات قد جرت بين القاهرة وأنقرة، وكانت على مستوى نائب وزير الخارجية في العاصمتين، وكان نائب وزير الخارجية التركي قد جاء قاهرة المعز، والتقى نظيره على ضفاف النيل، وكانت زيارة معاكسة قد جرت من جانب النظير المصري، وكانت الزيارات قد توقفت عند هذا الحد، بعد أن شاع أن لقاءات على مستوى أعلى قادمة على الطريق.
وكان الجانب التركي هو الذي بادر وطلب عودة العلاقات إلى طبيعتها الأولى، ولم يكن لدى القاهرة مانع فيما بدا أمامنا، ولكنها كانت تتسلح بالصبر في الطريق إلى تحقيق رغبة الحكومة التركية، وكانت تتمهل حتى إذا عادت العلاقات كان ذلك على أساس متين يحملها.
وعندما عاد إردوغان من قطر إلى بلاده، تحدث بتفصيل أكثر عن اللقاء في حوار تلفزيوني، وقال إن لقاءه مع الرئيس السيسي استغرق ما يقرب من الساعة، وإن لقاءات مقبلة بين البلدين ستتم على مستوى الوزراء، وإن ذلك سينقل العلاقات المشتركة إلى مربع مختلف.
ولو أنصف لقال إن لقاءات الوزراء المسبقة، كانت هي الطريق الطبيعي إلى لقاء القمة، وإنه في لقاء الدوحة قد اكتشف هذا وتبينه، وإن بلوغ القمة لا بد أن يكون له دائماً ما يمهد له ويقود إليه، وإنه ليس في مقدورنا أن نقفز من السفح إلى القمة في قفزة واحدة، وبالذات إذا تعلق الأمر بعلاقات بين بلدين كبيرين مثل مصر وتركيا، وإن دبلوماسية الكرة إذا كانت قد قضت بلقاء الدوحة، فلا مفر من أن تمشي الأمور في مسارها الطبيعي، فتعود إلى لقاءات على مستوى الوزراء.
لا مفر من ذلك، لأن البداية إذا كانت قد جرت على مستوى نواب الوزراء، فالخطوة التالية كانت لقاء الوزراء، لا لقاء القمة، ومن بعد الوزراء يمكن أن يتبادل البلدان السفراء.
وإلا، فهل كان من الوارد أن تتم زيارة نيكسون إلى الصين، من دون أن تسبقها زيارة فريق الكرة، ومن دون أن يذهب كيسنجر إلى تسوية الطريق أمامها؟!
وسوف تشعر، وأنت تطالع ما قاله الرئيس التركي، بأن لقاء القمة أظهر أمامه أشياء لم يكن يراها، وأشار له إلى أبعاد في الموضوع لم يكن ينتبه إليها، وأن هذا هو ما سوف يتولاه الوزراء في اللقاءات المرتقبة، وأن لقاءاتهم كان من الأفضل أن تسبق القمة لا أن تأتي بعدها.
ولكن لقاء القمة السياسية على هامش القمة الرياضية لا يخلو بالطبع من فائدة، وفائدته أنه وضع كل الأوراق على الطاولة، فكان لا بد من إحالتها إلى الوزراء، لعل لقاءً آخر من لقاءات القمة في المستقبل يتم في أجواء بين البلدين أنقى من الأجواء التي تمت فيها قمة الدوحة.
ربما تكون أنقرة قد أنجزت ملف «الإخوان»، الذي كان سبباً مباشراً في القطيعة السياسية مع القاهرة، ولكن الواقع الحاصل أمامنا يقول إن هذا الملف شيء من أشياء. قد يكون هو الملف الأشد حدة بين العاصمتين على مدى سنوات مضت، ولكن هذا لا يمنع أن تكون ملفات أخرى إلى جواره، وأن الوجود التركي في ليبيا على سبيل المثال في المقدمة من هذه الملفات، وأن احترام السيادة السورية والعراقية من بين هذه الملفات، وأن موضوع الطاقة في شرق المتوسط من بين هذه الملفات أيضاً.
فهل أنجزت هي الملف الأول، لأنها رأت فيه الملف الأسهل، ثم تركت بقية الملفات لما يمكن أن يستجد على طول الطريق؟!.. أم أنها فكرت في أن الملفات الباقية يمكن أن تكون أوراقاً تلعب بها على الطاولة، وهي تجلس، وتتكلم وتفاوض؟!
هذا بدوره أمر وارد، وقائم، ومحتمل، لأن من حق كل دولة أن تستخدم الأوراق التي تجدها في يدها، ومن حقها أن توظفها بالطريقة التي تروق لها في علاقتها مع سائر الدول، ولكن هذا لا يعني أن القاهرة يمكن أن تساوم على ملفات من نوع الملفات المشار إليها، لأنها بطبيعتها ومن حيث ضرورتها بالنسبة لمصر ملفات لا تحتمل المساومة، ولأن الحكومة المصرية وضعتها جميعاً على الطاولة، منذ اللحظة الأولى التي أبدت فيها حكومة إردوغان رغبتها في علاقات طبيعية مع المحروسة.
ولا بد أن المصريين الذين تابعوا لقاء القمة في الدوحة، تابعوا في الوقت نفسه الأنباء التي تتحدث عن تعزيز تركيا لوجودها العسكري في غرب ليبيا، وتابعوا مذكرات التفاهم التي عقدتها أنقرة مع حكومة عبد الحميد الدبيبة في الغرب الليبي، وتساءلوا بالتالي عما إذا كان هذا كله يتسق مع بعضه؟!
ولا تزال الأخبار تتناثر عن الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا، وعن أنه يتزايد، وهذا ما لا يستوعب المتابعون له حقيقة أهدافه، وهذا أيضاً ما يبدد بعضاً من التفاؤل الذي رافق لقاء القمة في قطر.
أما ما تمارسه تركيا في شمال العراق وسوريا معاً، ثم ما تذهب إليه من انتهاكات متكررة في أراضي البلدين، فلا بد أنه يؤلم المصريين على المستوى الشعبي، ويفقدهم الحماسة لتطبيع العلاقات معها، ويجعلهم بعيدين عن كل خطوة تقطعها حكومتهم في هذا الاتجاه.
والمعنى أن تطبيع العلاقات الذي تتحدث عنه أنقرة مع القاهرة، لا يمكن أن يكون بالمجان، وإنما له ثمن لا بد أن تدفعه مقدماً.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية الساحرة المستديرة دبلوماسية الساحرة المستديرة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 04:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات فساتين زواج فخمة واستثنائية لعروس 2025

GMT 10:34 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتقاء شهيدين فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمال غزة

GMT 07:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق تذاكر معرض كريستيان ديور مصمم الأحلام

GMT 06:17 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

3 ركائز لسياسة ترمب في الشرق الأوسط

GMT 05:49 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بين قاهر.. وقاتل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab