بقلم: سليمان جودة
لا شىء فى القرض الذى أبرمناه مع صندوق النقد الدولى سوى أنه يدعو مصر إلى أن تمارس شجاعتها التى عرفها العالم بها فى كل المرات.. شجاعتها التى تقول بها لأبنائها ونفسها إنها أكبر من القرض، ومن الصندوق، وممن يقفون وراء القرض والصندوق.
تفاصيل القرض تقول إنه يتيح لنا تمويلًا قيمته ثلاثة مليارات دولار على ٤٦ شهرًا.. وتقول التفاصيل أيضًا إن الصندوق قرر صرف دفعة فورية قيمتها ٣٤٧ مليون دولار!.. وكما ترى، فالرقم متواضع بكل معيار، ولذلك، فهو بتواضعه هذا يأتى وكأنه «رسالة» لنا.. رسالة لم يقصدها الصندوق ولا أرسلها.. رسالة تقول إن مصر مدعوة إلى أن تمارس شجاعتها المعروفة بها على مدى تاريخها.. الرقم يبدو وكأنه رسالة لنا بأن مصر يجب ألّا تنقصها الشجاعة اليوم فى هذا الظرف لتقرر ما يجب أن تقرره من سياسات.. تمامًا كما لم تكن تنقصها الشجاعة من قبل فى ظروف كانت أصعب بكثير.
مصر التى مارست شجاعتها فى اتخاذ قرار العبور فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ومصر التى قاتلت لترفع عار الهزيمة التى وقعت فى يونيو ١٩٦٧، مدعوة فى هذه اللحظات إلى أن تمارس شجاعتها المعتادة.. ومصر التى مارست شجاعتها فى قرار السلام، ومن قبله فى قرار الزيارة إلى القدس، مدعوة هذه الأيام إلى أن تعود لتمارس شجاعتها التى لم تخذلها فى كل الأوقات.
مصر لم تكن تنقصها الشجاعة فى أى وقت، ولا فى أى يوم، وهى التى مارست شجاعتها فى مواجهة خطر تطرف الإخوان، فحاربت معركتها بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن المنطقة كلها، وإلا، لكان الحال اليوم رغم صعوبته غير الحال.
هذه مجرد لمحات من شجاعة مصر، التى لم تكن تنقصها فى تاريخها المعاصر، ولو ذهب أحد يفتش فى تاريخها الحديث، فسوف يصادف الشجاعة نفسها فى مواقف فاصلة، وسوف يجد الشجاعة ذاتها متوفرة فى كل مرحلة من مراحل تاريخ المحروسة بحلقاته المتصلة.. ولابد أن مصر، التى خاضت معركة النصر فحررت أرضها بقبضتها، لن تنقصها الشجاعة فى اتخاذ قرارات واضحة، وسريعة، وقوية، وحازمة، لتحرر اقتصادها كما حررت أرضها، ولتتحرر من ديونها.
مصر لن تنقصها الشجاعة لتذهب إلى قرارات اقتصادية جريئة، تتحرر بها من هذه الأعباء التى تثقل كاهلها، وتقيد حركتها، وتعطل انطلاقها، وتقف فى طريق مسيرتها.
مصر لن تنقصها الشجاعة لتجعل مصيرها فى يدها، وليس فى يد أى طرف آخر، وأظن أن الدول العربية القادرة فى المقابل لن تنقصها الشهامة.