ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش

ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش

ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش

 العرب اليوم -

ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش

بقلم - سليمان جودة

يتابع الناس مشاهد كثيرة في كل يوم، ولكن ليست كل المشاهد سواء؛ لأن منها ما ينمحي ويغيب، ومنها ما يظل في مكانه داخل الذاكرة لا يغادرها.

وإلا، فهل يمكن أن ننسى المشهد الذي شهدته واشنطن يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، عندما تسلق أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب جدران الكونغرس واقتحموه؟ هذا مشهد لا يمكن نسيانه، ولا يزال الأميركيون يعيدون تذكير أنفسهم به، كلما حانت مناسبة تدعوهم إلى ذلك، ولا بد من أنهم يستعيدون المشهد في كل مرة، لا ليتألموا كما تألموا في المرة الأولى، ولكن ليحتاطوا من تكراره مرة أخرى.

ولن ينافس هذا المشهد عند رصد المشاهد التي من نوعه، إلا مشهد الهجوم الإيراني على إسرائيل، في مساء الثالث عشر من هذا الشهر.

فهذا مشهد جديد لن ننساه، وسوف نظل نذكره ونذكر معانيه، وسوف يحكي عنه الذين عاشوه للذين لم يسعدهم الحظ بمعايشته، ولن يكون الذين لم يتابعوه في حاجة إلى شيء، قدر حاجتهم إلى كبسة زر على الشبكة العنكبوتية، ليستحضروه ويجدوه أمامهم كأنهم جزء منه، وكأنه جزء منهم، فلا يكون هناك فارق بين معايشته وبين استحضاره.

سوف يعيش كما عاش سابقه؛ لا لأن الإيرانيين قرروا للمرة الأولى أن يكون الاشتباك من جانبهم مع الإسرائيليين اشتباكاً مباشراً، وليس من خلال وكلائهم في المنطقة، فجوهر الاشتباك واحد في الحالتين، سواء كان باليد المباشرة، أو من خلال يد الوكيل الممتدة، ولا فرق في الحقيقة ما دام العقل المدبر هو هو لا يتغير.

سوف يعيش المشهد الإيراني- الإسرائيلي المشترك؛ لا لأن مئات من الطائرات المُسيَّرة والصواريخ قد شاركت فيه، فالفيصل هو بما قامت به هذه الطائرات والصواريخ، لا بعددها، ولا بصورها التي كانت تبرق في الأجواء أمام الذين كانوا يتابعون.

ذلك أن كل معركة لا بد من أن تتبعها عملية من عمليات إحصاء الخسائر، ليرى الطرف الذي تعرض لاعتداء ماذا بالضبط خسر، وماذا على وجه التحديد نال منه العدو؟

وتقول لغة الإحصاء إن طفلة إسرائيلية في صحراء النقب قد أصيبت من جراء الهجوم، وفي رواية أخرى أنها فقدت حياتها. وتقول لغة الإحصاء أيضاً إن عدداً من الإسرائيليين يتجاوز الثلاثين بقليل قد تعرضوا لإصابات، وإن إصاباتهم كانت نتيجة للخوف الذي تولاهم من أنباء الهجوم، وليس من الهجوم في حد ذاته، ولا بالطبع من مُسيَّراته ولا من صواريخه.

سوف يعيش المشهد إذن لأسباب أخرى، أو لسبب آخر إذا شئنا الدقة، وهذا السبب هو أن العالم اكتشف لاحقاً أنه جلس يشاهد مشهداً مصنوعاً، أو كالمصنوع، وأنه قضى ليلة كاملة يفرك عينيه وهو لا يكاد يصدق ما تنقله الشاشات، فإذا به يتبين له في اليوم اللاحق أنه تعرض لخدعة كبيرة، وأن الأطراف التي كانت وراء المشهد اتفقت مسبقاً على طريقة الإخراج، وأنها لا تجد أي حرج في أن تعترف بذلك على الملأ أمام كل الناس.

لقد أحس الذين تابعوا المشهد من بدايته إلى ختامه، بأنهم كمن ذهب يشاهد فيلماً في دار السينما، فإذا به يكتشف في آخر الفيلم أنه من النوع الهابط الرديء، وأن الذين أخرجوه له على الشاشة لم يراعوا الصدق في الإخراج، فعاد الرجل إلى بيته نادماً على أنه بدد وقته وماله معاً، في الجلوس أمام عمل لا يستحق المشاهدة ولا المتابعة.

والذين مروا من قبلنا في الحياة صوروا هذا المعنى، عندما قالوا ما معناه أن الكذب المُرتَّب خير من الصدق المبعثر!

وقد تخللت المشهد أشياء من النوع العجيب الذي يبعث على الأسى أكثر في الحقيقة مما يبعث على الضحك، وكان منها على سبيل المثال ما قالته بعثة إيران في الأمم المتحدة، عن أن إسرائيل إذا كررت الخطأ في حق طهران فسوف يكون ردها أكثر حدة!

طبعاً عندما يقال عن شيء إنه أكثر حدة من سابقه، فهذا يعني أن الشيء السابق كان حاداً، فأين الحدة التي كانت في مشهد المُسيَّرات التي جرى الإعلان عن إطلاقها، قبل وصولها إلى أهدافها المفترضة في إسرائيل بست ساعات؟! هل الحدة في إصابة أو مقتل طفلة النقب؟! أو في إصابة عشرات بإصابات خفيفة، من مجرد الخوف لا من شيء آخر؟!

ومما تخلل المشهد أيضاً أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال في تصريح عاجل، إن الدولة العبرية إذا فكرت في مغامرة جديدة مع بلاده من نوع تدمير القنصلية الإيرانية في دمشق، فسوف يكون رد إيران أكثر قوة!

إن كل الذين طالعوا هذا التصريح له، لن يسألوه عن الرد الذي سيكون أكثر قوة في المستقبل، ولكنهم سوف يستحلفونه أن يشير لهم إلى الرد القوي في الحاضر الذي سيقاس عليه الرد المقبل، والذي سيكون حسب كلامه أكثر قوة.

يقال دائماً إن ما يفرق الخطأ عن الخطيئة، أن الأول يقع عن غير قصد، وأن الثانية تتم بقصد، وأنت حين تعلو فوق هذا المشهد الذي تابعناه في مجمله، سوف يتبين لك أن وجود إيران في المنطقة إذا كان من بين أخطاء الجغرافيا، فالتأسيس للوجود الإسرائيلي فيها كان من بين الخطايا السياسية، وما بين الخطأ الجغرافي والخطيئة السياسية تحيا منطقتنا وتعيش، أو تحاول ذلك في أقل القليل.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش ما بين خطأ وخطيئة تحيا المنطقة وتعيش



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:51 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها!

GMT 17:42 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

برشلونة يتعاقد مع مهاجم شاب لتدعيم صفوفه

GMT 02:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 12:15 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب جنوب شرق تايوان

GMT 12:05 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

انفجار قنبلة وسط العاصمة السورية دمشق

GMT 02:41 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab