ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية

ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية!

ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية!

 العرب اليوم -

ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية

بقلم - سليمان جودة

العاصفة التي أطلقها مقتل الشاب نائل مرزوق في إحدى مدن غرب فرنسا هدأت ولم يعد لها أثر، ولكن الإشارات التي أرسلتها العاصفة سوف تظل باقية.

وكانت التبرعات التي جرى جمعها للشرطي المتهم بقتل نائل، ثم لنائل نفسه بالتوازي، هي أقوى الإشارات في القضية كلها. فالشرطي هو الجاني، ومع ذلك، وصلت حصيلة التبرعات لصالحه إلى مليون و600 ألف يورو. أما الذين أسهموا في التبرع له فكانوا مائة ألف، وأما الذين تبرعوا للشاب نائل فلم يقدموا سوى ربع تبرعات الشرطي بالكاد. ولأن التبرعات قد توقفت على الجانبين، فلا أحد يعرف إلى أي مدى كانت ستصل حصيلتها لدى الشرطي، لو كانت عملية جمعها قد استمرت لوقت أطول مما استغرقه جمع هذا المبلغ.

ولو أن أحداً جرّب أن يقارن بين مليون و600 ألف قدمها المتعاطفون مع الشرطي، و400 ألف قدمها الذين حزنوا على الشاب القتيل، فسوف تكون المقارنة مدهشة، وربما تكون غير مفهومة، كما أنها ستكون عصية على الاستيعاب، لا لشيء، إلا لأنه من غير المفهوم أن يجمع الجاني من التبرعات 4 أضعاف تبرعات المجني عليه.

ورغم أن الذين خرجوا يحتجون على مقتل الشاب نائل، قد انتشروا حتى غطوا المئات من المدن الفرنسية، ورغم أن أصداء الانتفاضة الغاضبة كادت تتحول إلى عاصفة مماثلة في أكثر من دولة أوروبية، ورغم أن بوادر ذلك ظهرت على استحياء في سويسرا مثلاً، فإن حصيلة التبرعات في ميزان المجني عليه تقول إن هؤلاء الذين انتفضوا لمقتله لم يقدموا له ما كان يجب أن يقدموه، وأنهم أخطأوا اختيار الطريقة التي يعبّرون بها عما أحسوا به من غضب، وكان المدى الذي وصلت إليه تبرعات الشرطي المتهم أقوى دليل على ذلك.

وبما أن نائل من أصول جزائرية، وبما أنه محسوب في النهاية على أنه مهاجر عربي، حتى ولو كان يحمل الجنسية الفرنسية، أو يحمل ما يتيح له الإقامة الدائمة في بلد «الجن والعفاريت» كما كنا زمان نقول عن فرنسا، فالذين احتجوا وغضبوا وسخطوا، كانوا في غالبيتهم الكبيرة من العرب والمسلمين المهاجرين إلى فرنسا.

كانت قضية المهاجرين ولا تزال على رأس القضايا التي تجعل أوروبا لا تنام، وكانت ولا تزال على رأس القضايا التي طرأت فجأة على خريطة الحياة اليومية في دول القارة العجوز، فلم تعد دول القارة تعرف كيف تجد لها حلاً، ولم تعد تعرف إلى أي حد يمكن أن لها أن تستوعب هذا العدد ممن تركوا بلادهم الأصلية، ثم جاءوا يفتشون في أوروبا عن عمل وعن أمل.

ولا أحد يعرف ما إذا كانت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل سوف تتعاطف مع المهاجرين إلى أوروبا، لو أنها كانت لا تزال في دار الحكم ولم تغادره، ولو أنها رأت بعينيها ما ارتكبه المهاجرون في فرنسا بعد مقتل نائل.

كانت في زمانها هي الوحيدة تقريباً التي تقف مع المهاجرين، وكانت تفعل ذلك من دون غيرها من بقية الساسة الأوروبيين، وكانت تتطلع إلى المهاجرين بعين العطف والرعاية، وكان عدد منهم يطلق اسمها على المواليد الجدد اعترافاً بالفضل لها، ولكن ذلك كان في زمن آخر لم تتعرض فيه فرنسا لهذا الحجم الهائل من التحطيم والتدمير، ومن السلب والنهب، ومن الاعتداء على الملكيات العامة والخاصة، ومن إضرام النار في الشوارع بغير أي مبالاة.

هل كانت ميركل ستبقى على موقفها وهي ترى هذا كله أمامها، وهل كانت ستظل تنتصر للمهاجرين إلى بلادها، وهل كانت ستجد حرجاً في أن تلقى الناس بعد الأحداث، مع ما هو معروف عنها من انتصارها لكل مهاجر؟

إننا نتكلم عنها بلغة «لو» التي لا تجدي في شيء، ولكن الذي يجدي أن نحسب بالورقة والقلم، ما إذا كان الذين خرجوا يحطمون ويدمرون في المدن الفرنسية قد انتصروا بالفعل لنائل، أو حتى لأنفسهم، أم أنهم لم ينتصروا له ولا لأنفسهم؟

لم ينتصروا له طبعاً، لأن كل حصيلته من التبرعات لم تصل إلا إلى ربع حصيلة الشرطي الجاني، وهذه من المرات النادرة التي يزيد فيها التعاطف مع الجاني، على التعاطف مع المجني عليه، ثم نرى ترجمة لذلك أمامنا بالأرقام.

ولم ينتصروا بالطبع لأنفسهم؛ لأن ما قاموا به قد ألقى بالكثير من التراب على قضية كل مهاجر في فرنسا خصوصاً، وفي أوروبا عموماً، ولا فارق بعد ذلك بين أن تكون قضية المهاجرين قضية عادلة أو غير عادلة. فالعنف الذي مارسوه لم يكن هو الطريق إلى الحصول على حق نائل، ولا غير نائل من المهاجرين الأوائل، وهناك ألف طريقة للحصول على حقه، وليس العنف بكل أشكاله من بينها بالتأكيد.

إن حالهم على هذه الصورة أقرب ما يكون إلى رجل أرسل محامياً في قضية منظورة له أمام العدالة، وأعطاه أتعابه كاملة مقدماً، ولكن لأن المحامي لم يكن هو الشخص المناسب للدفاع عن قضية الرجل، فإنه قد خسر الأتعاب ومعها القضية.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية ولكننا خسرنا الأتعاب والقضية



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 04:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 04:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات فساتين زواج فخمة واستثنائية لعروس 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab