بقلم - سليمان جودة
السؤال الذي لا بد من الإجابة عنه هو كالتالي: ماذا جدّ في المنطقة بما يجعل جماعة الحوثي تستهدف أبوظبي أكثر من مرة مؤخراً؟!
فقبل أسبوعين استهدفت الجماعة مطار العاصمة الإماراتية بطائرات مسيّرة، وصواريخ باليستية، وأخرى من طراز «كروز»، وكانت النتيجة سقوط ثلاث ضحايا من بين المدنيين وإصابة ستة آخرين، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها استهداف أبوظبي من جانب هذه الجماعة العابثة في أرض اليمن. بعدها بأيام جرى الاستهداف مرة ثانية بصاروخين اعترضتهما الدفاعات الإماراتية ودمّرتهما.
وفي هذا الأسبوع تكرر الاستهداف للمرة الثالثة بصاروخ باليستي، وقد تم اعتراضه وتدميره كما جرى مع الصاروخين في المرة السابقة، ثم تبين أنه انطلق من منطقة الجوف في اليمن، فتم تدمير المنصة التي أطلقته من هناك.
في المرات الثلاث كان الاستهداف محل إدانة واسعة من كل عاصمة تقريباً في المنطقة والإقليم، إلا العاصمة الإيرانية طهران طبعاً، وكيف تُدين وهي التي تغذّي الحوثي بكل شيء؟! كيف تخرج منها إدانة لصواريخه وطائراته المسيّرة، بينما هي التي تضع في يديه كل ما عنده من سلاح، وهي التي ترسل إليه المراكب المحملة بالأسلحة، فيتم ضبط بعضها ويفلت البعض الآخر؟!
وفي المرات الثلاث لم يكن الجديد أن أبوظبي هي العاصمة التي جرى استهدافها وفقط، ولكن الجديد أيضاً كان في نوع السلاح المستخدم. فمن قبل كان السلاح المعتاد والمفضل لدى جماعة الحوثي في استهداف عدد من المناطق في السعودية هي الطائرات المسيّرة، ولكنها المرة الأولى التي يجري فيها استخدام صواريخ من النوعين المشار إليهما في الأنباء المنشورة.
هذا باختصار هو ما رحنا نتابعه على مدى ما يزيد على أسبوعين، بدءاً من الاستهداف الأول إلى الاستهداف الثالث، وهذا ما يفرض علينا كعرب أن نتصرف في مواجهة ما يحدث بطريقة مختلفة، ما دام الطرف الذي يستهدف يختار عاصمة جديدة لم يستهدفها من قبل، ثم يصوب نحوها مسيّراته وصواريخه، وما دام يواصل ذلك على مرأى ومشهد من العالم الذي يرى ويسمع من حولنا.
أتحدث عنا كعرب، لا كإماراتيين، ولا كسعوديين، لأني أظن أن استهداف أي عاصمة عربية على هذا المستوى، وبهذه النوعية من السلاح، وبهذه الجرأة في ممارسة العدوان، هو في حقيقته استهداف لعواصم العرب جميعاً، إنه استهداف لكل عاصمة من عواصمنا في مكانها على الخريطة، وليس من الضروري أن يكون استهدافاً بمعناه الحرفي الذي نعرفه، وإنما من الوارد أن يكون استهداف معنى لا استهداف مبنى!
وإذا كانت الإدانات التي تتالت من عواصم العالم تعبّر عن موقف سياسي مساند، فهو طبعاً موقف ينطوي على الكثير من الشجاعة بمثل ما هو موقف مقدَّر لصاحبه، غير أنها في ظني لم تعد تجدي ولا تنفع مع جماعة حوثية، لا توقِفها هذه الإدانات المتكررة عن مواصلة عبثها، ولا تجعلها ترجع عمّا تمارسه من اعتداءات مخرِّبة، منذ كان لها وجود تستقوي فيه أساساً بإيران!
ولا أدلّ على ذلك من أن انطلاق الإدانات بعد استهداف أبوظبي للمرة الأولى، لم يمنع الحوثي من استهدافها للمرة الثانية بعد الأولى بساعات، كما أن الإدانات في المرة الثانية لم تمنع الاستهداف الثالث هذا الأسبوع، وهذا نفسه ما كان يحدث ولا يزال بكل أسف مع المملكة العربية السعودية. لقد حدث هذا في كل مرة جرى خلالها استهداف منطقة على أرض المملكة من جانب الجماعة ذاتها، وتبين في كل مرة أيضاً أن الإدانة لا غنى عنها، هذا صحيح، ولكن الأصح أنها في حاجة إلى خطوات من نوع آخر تأتي بعدها!
الإدانات إذنْ لم تعد تكفي وحدها، لأنها في مجملها تعبّر عن موقف رافض، ولكنها لا تتجاوز ذلك من حيث التأثير الحقيقي في ميدان العمليات على الأرض، ولا بديل عن شيء عملي يكمل طريق الإدانات إلى غايته فيغيّر مما هو حاصل في الميدان. هذا الأمر نفسه مطلوب منا كعرب، إذا ما جئنا لنخاطب العالم من حولنا ونطلب منه أن يتحرك ويتخذ موقفاً، ولا يكتفي بالفرجة من بعيد أو حتى من قريب.
إنني ألاحظ أننا نخاطب «المجتمع الدولي» في كل مرة يتجدد معها عبث الحوثي أو غير الحوثي في منطقتنا، وألاحظ أيضاً ولعلكم تلاحظون معي أن هذا المجتمع الدولي لا يتحرك ولا يفعل أي شيء، مع أن عواقب هذه الاعتداءات المستهترة يمكن أن تطوله وتطول مصالحه بشكل مباشر، إذا ما تعطلت حركة الملاحة في البحر الأحمر على سبيل المثال. ولكنه لا يتحرك ولا يفعل شيئاً، ربما لأننا نخاطبه في العموم، وربما لأن الخطاب معه حين يتم بهذه الطريقة، فإن دماء القضية محور الخطاب معه تتفرق بين القبائل، ولا نستطيع بالتالي أن نلوم طرفاً محدداً فيه، لا لشيء، إلا لأننا لم نخاطبه هو بشحمه ولحمه على وجه الخصوص، وهذا ما سوف يكون علينا أن نراعيه في كل مرة قادمة، لعلنا نضع كل طرف في هذا المجتمع الدولي أمام مسؤوليته المحددة.
لا تجدي الإدانة بمفردها كإجراء، لأنها تظل في حاجة إلى إجراء مساعد يحوّلها من قول إلى فعل، ولا تنفع مخاطبة المجتمع الدولي هكذا في عمومه، لأن الخطاب معه بهذه العمومية إنما يعفيه في حقيقة الأمر من فعل أي شيء، ولأن كل طرف فاعل فيه سوف يقع لديه الظن دائماً بأن طرفاً غيره هو المقصود بالخطاب، وهو المعني بالكلام، وهو الذي يتوجه إليه الحديث.
وسوف يكون السؤال والحال هكذا هو كالآتي: ما العمل، وماذا علينا أن نفعل إذا شئنا أن نوقف جماعة الحوثي عند حدودها؟!
العمل هو إجراء سياسي عربي موحد لا بد منه مع إيران، لا مع الحوثي، لأن التوجه بالكلام أو بسواه إلى هذا الأخير، هو توجه إلى غير ذي شأن، أو غير ذي صفة في كل الأحوال!
إن جماعة الحوثي هي الظل لا الأصل في الموضوع، وهي الفرع الذي يخرج من أصل هناك في عاصمة المرشد، وهي المستطيعة بغيرها لا المستطيعة بذاتها، ولا يمكن أن نتصور خطوة تقوم بها هي لا يكون لها امتداد ينتهي في طهران!
إنني قد أستدعي حالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الغرب هذه الأيام حول أوكرانيا، لعل الصورة تكون أقرب وأوضح. وما أريد أن أقوله إن حلف شمال الأطلسي لما قرر أن يخاطب موسكو فيما يخص العاصمة كييف، فإنه لم يخاطبها من خلال كل عاصمة من عواصمه على حدة، ولكنه كان يتحدث معها ولا يزال بوصفه حلفاً موحداً له لسان واحد ينطق بموقف واحد يعبر عن عواصمه المشتركة. ولأن هذا هو الحاصل أمامنا، فما نتابعه في المقابل أن بوتين يستشعر قوة الموقف الموحد في خطاب عواصم الغرب والحلف معاً، فيأخذ خطوة إلى الوراء ويطلب ضمانات أمنية لبلاده ليس أكثر، ويصبح هذا المستوى هو مستوى الأخذ والرد بين الطرفين!
الحديث لا بد أن يكون مع طهران لا مع الحوثي، إذا أردنا أن يكون حديثاً ذا جدوى في واقع الحال، والحديث معها لا بد كذلك من أن يكون حديثاً عربياً موحداً، لا أن يكون صادراً عن عاصمة عربية مستهدفة هنا، أو عن أخرى مستهدفة هناك، لأن الخطاب الموحد هو وحده الذي يمكن أن يكون حديثاً ذا فائدة، ولأن العاصمة العربية التي لم يتم استهدافها اليوم يمكن أن تكون هدفاً في الغد، ولأن استهداف غيرها من العواصم الشقيقات بشكل مباشر، هو استهداف لها بصورة غير مباشرة.
لا تخاطبوا الحوثي ولا تستهلكوا الوقت معه، ولكن خاطبوا العاصمة التي تحدد له الهدف، ثم تضع يده في النهاية على الزناد!