بقلم: سليمان جودة
دار الزمان دورته، وأصبح علينا أن نرسل وفدًا إلى اليابان يستطلع الأمر، بمثل ما كانت هي قد أرسلت وفدًا يستطلع الأمر عندنا في المحروسة!.
أما الوفد اليابانى فكان قد وصل القاهرة في القرن قبل الماضى، وكان قد جاء يسأل عن الطريقة التي حققت بها مصر نهضتها الحديثة في أيام أسرة محمد على باشا، ولا بد أن الذين جاءوا من هناك يستطلعون ما جرى وقتها، قد عادوا بشىء من تجربة الأسرة العلوية في تحقيق النهضة، ولا بد أن ما عادوا به قد صنع شيئًا من نهضتهم المعاصرة أمامنا.
ومن هناك في القرن التاسع عشر، إلى هنا في القرن الحادى والعشرين، دار الزمان دورة كاملة على مسافة زمنية تقترب من القرنين، وأصبحنا نتطلع إلى ما يجرى على أرض اليابانيين، ونبدو في حاجة إلى التعرف على الطريقة التي ضبطوا بها عدد السكان.
وإذا شئنا الدقة قلنا إنهم لم يعملوا على ضبط عدد السكان عن قصد، وأن ما حدث هو أن السكان ضبطوا أنفسهم بأنفسهم تلقائيًا، ولم يعودوا يجدون أي شىء يغريهم بالإنجاب، وصارت هذه القضية مشكلة المشكلات أمام الحكومات المتعاقبة في طوكيو.. تمامًا كما هي في حياتنا، لكنها على النقيض مما هي عندهم.
كلما جاءت حكومة يابانية جديدة استيقظت في اليوم التالى على حقيقة صادمة تقول إن اليابانيين يتناقصون بمعدل مخيف، وأن نسبة كبار السن بينهم هي الأعلى عالميًا، وأن الوزارة التي استحدثوها قبل فترة لتشجيع المواطنين على الإنجاب لم تتمكن من فعل شىء!.
حدث هذا ويحدث، رغم أن الحكومة اليابانية لم تفرض سياسة الطفل الواحد ولا سياسة الطفلين على مواطنيها، كما كانت الحكومة الصينية في بكين قد فعلت من قبل.. فلا تفسير لما يواجه اليابان من تناقص السكان، ولا شىء مقنع يشرح السبب وراء خصام الأسرة اليابانية مع الإنجاب.
إلى أن تتعرف اليابان على السبب الذي أدى إلى ما يؤرقها، سوف يكون علينا أن نتعامل مع السبب الذي أدى ويؤدى إلى العكس عندنا، بما جعل عدد السكان يتزايد سنة بعد سنة بمعدل غير طبيعى.. فما يزعجهم يزعجنا عكسه، وإذا كانوا منشغلين بالتوصل إلى حلول عملية لمشكلة المشكلات، فإننا مدعوون إلى الشىء نفسه، لأن عواقب التناقص عندهم هي تقريبًا عواقب التزايد غير المنضبط عندنا!.