بقلم - سليمان جودة
إذا جاز أن نضع عنوانًا لحديث الرئيس، أمس الأول، خلال إطلاق برنامج «تنمية الأسرة المصرية»، فسوف يكون العنوان من أربع كلمات كالتالى: قسوة الواقع وبشاعة الحقيقة!.
وإذا شاء أحد منا فليراجع عناوين الحديث الرئاسى منشورة أو مذاعة، وسوف يجد فيها من الصراحة ما لا يجده فى أى حديث رئاسى آخر.. وليس من شك فى أن الاعتراف بالمشكلة، هو بداية الطريق إلى حلها، كما أن الإقرار بحجمها هو بداية الإحساس بمدى خطورتها!.
ومما يلفت الانتباه أن ثلاثة أرباع كلام الرئيس خلال اللقاء كانت عن الصحة، وعن التعليم، وعن رغبته فى أن يعطيهما اهتمامًا أكبر، وإنفاقًا أعلى، وأولوية أكثر.. وربما تكون هذه هى البداية التى ستجعل الرئيس يأخذ من أى بند فى الميزانية العامة للدولة، ليضيف إلى ميزانية التعليم وميزانية الصحة دون تردد.. فكل جنيه ننفقه عليهما هو إنفاق فى مكانه الصحيح، وهو استثمار مضمون العائد، وهو جهد مضاف فى بناء مستقبل!.
خُذ يا سيادة الرئيس من أى بند فى الميزانية العامة، ثم ضع وأنت مطمئن فى ميزانية الصحة وفى ميزانية التعليم، لأنهما الأساس الذى يقوم عليه بناء الدولة، وليس من الممكن، ولا من الوارد، ولا من الجائز، أن يقوم بناء على غير أساس!.
وهل هناك واقع أقسى أو حقيقة أبشع من أن نعرف من الرئيس، أن ٣٠٠ ألف من خريجى الجامعات تقدموا لاختبار مبرمجين فلم ينجح منهم سوى ١١١؟!.. إن عدد المتقدمين يساوى عدد سكان دول حولنا وفى العالم، ومع ذلك فليست هذه هى المشكلة الحقيقية، وإنما المشكلة هى فى عدد الذين نجحوا منهم.. إنك لو جربت أن تحسب نسبة الناجحين من بين مجمل المتقدمين، فلن تحصل على نسبة يمكن فهمها أو استيعابها، لأن الذين نجحوا أقل من أقل أقل القليل!.
هذه النسبة الناجحة أو الناجية، هى العنوان القاسى للتعليم فى بلدنا، وهى الحقيقة البشعة لمستوى ما يحصل عليه الطالب من تعليم.. وللأمانة، فإن هؤلاء الذين تقدموا للاختبار، هُم حصيلة تعليم جرى فى عصر سياسى سابق، لا لشىء، إلا لأن أى حسبة بالورقة والقلم تقول إنك كبلد، ستحصل على حصيلة اهتمامك بالتعليم إنفاقًا عامًّا ورعاية، بعد ١٦ سنة من تاريخ بدء هذا الاهتمام.. وهذه السنوات هى إجمالى ما يستغرقه الطالب من الوقت فى التعليم من أولى ابتدائى إلى رابعة جامعة!.
زمان أصدر الدكتور زكى نجيب محمود كتابًا عنوانه: مجتمع جديد أو الكارثة.. وأقول قياسًا على كتابه: التعليم والصحة أو الكارثة