بقلم - سليمان جودة
فى يناير من هذه السنة، أقام الفنان فاروق حسنى معرضه السنوى فى البحرين، وكان موعده مع جمهوره فى العاصمة البحرينية المنامة بدلًا من القاهرة!.
وعلى مدى السنين القليلة الماضية، كان قد اعتاد أن يستقبل جمهور الفن التشكيلى فى قاهرة المعز على رأس كل سنة، وكان يقدم إلى الجمهور خلاصة إبداع عام مضى.. ولكنه فى هذه المرة اختار البحرين بدعوة من الشيخة مى آل خليفة، التى ترعى الفن والثقافة فى بلدها من خلال موقعها رئيسًا لهيئة الثقافة والآثار، والتى كانت ترغب فى مد رعايتها هذه إلى خارج بلدها حين رشحت نفسها لموقع ثقافى دولى قبل فترة، والتى فازت بجائزة الأغاخان فى العمارة ٢٠١٩!.
وقد قيل كلام كثير عن معرض فاروق حسنى فى البحرين، ولكن جملة واحدة فيما قيل قد استوقفتنى أكثر.. هذه الجملة تقول إنه كفنان كان ولا يزال يؤمن بأن للفن بوجه عام، وللرسم بشكل خاص، دورًا فى إعادة تشكيل المجتمع وإثرائه بما يميزه عن باقى المجتمعات!.
هذه جملة واحدة استوقفتنى من بين كلام كثير قيل عن الفنان ولوحاته ومعرضه، والسبب أن فيها ما يشير إلى علاقة قوية للفنان بمجتمعه، وفيها ما يقول إن الفن له مهمة فى محيطه الذى ينشأ فيه، وإن الفن ليس فنًّا إذا نشأ بعيدًا عن المجتمع، منعزلًا عنه، مُعلَّقًا فى الهواء بين السماء والأرض، متكئًا على نظرية قديمة كانت تقول إن الفن هو للفن لا لشىء آخر!.
وطوال السنوات التى قضاها فاروق حسنى على رأس وزارة الثقافة، لم تكن علاقة الفن بالمجتمع هى إيمانه وفقط، ولكنها كانت يقينه فى الوقت نفسه، وكانت اعتقاده الذى يعمل على أساسه ويمارس مهامه وزيرًا وقتها على أرضيته الثابتة!.
كان يمارس عمله وزيرًا بروح الفنان، لا بعقلية الموظف الذى يؤدى عملًا ويحصل فى نظيره على أجر، وكان هذا واضحًا فى كل شىء بادر به أو أنجزه، وكانت مبادرته بتأسيس جهاز التنسيق الحضارى التابع للوزارة من بين الدلائل على ما كان يؤمن به فى مكانه ويعتقده!.
والمبادرة من جانبه إلى إنشاء جهاز جديد بهذا الاسم لم تكن سوى رغبة صادقة منه فى التأكيد على أن الفن هو للمجتمع، وأن جهازًا اسمه التنسيق الحضارى هو جهاز له وظيفة لا بديل عنها فى البلد، وأن وظيفته هى السعى الذى لا يتوقف إلى أن تتحقق المتعة البصرية للإنسان فى بلده كلما التفت إلى أى اتجاه، وأن المتعة من هذا النوع هى حق من حقوق الإنسان لا يجوز التفريط فيه!.