بقلم - سليمان جودة
هذه من المرات القليلة التى نطالع فيها نعيًا مدفوع الثمن فى صحيفة لوجه الشخص الراحل، وليس من أجل المظهرة ولا من أجل تحقيق منفعة فى المستقبل من وراء النعى!.
والقصة أن عددًا من أصدقاء الدكتور كمال الجنزورى نشروا سطورًا يذكرون فيها فضائله، ثم وضعوا توقيعاتهم جميعًا من وراء السطور!.. وكلهم كما يبدو من قائمة الأسماء المنشورة، إما عملوا معه وقت رئاسة الحكومة، وإما عرفوه فى مرحلة ما بعد السلطة، وإما ترددوا على مجلسه خلال سنواته الأخيرة التى كان قد جلس فيها يستقبل محبين وعارفين بالفضل!.
وقد عشنا نتابع ما ينشره الأحياء عن الموتى.. وفى الغالبية العظمى من الحالات كانت القصة الشهيرة عن كلب العمدة تتكرر، ولم تكن تغيب إلا فى مرات نادرة منها هذه المرة التى تأثر فيها أصدقاء الرجل برحيله، فدفعوا من جيوبهم ليعبروا عن مدى حزنهم بعد الرحيل!.
قائمة الأسماء كانت كالتالى: إبراهيم الدميرى، محمد عبدالوهاب، طلعت حماد، ناجى شتلة، سلطان أبوعلى، إسماعيل سلام، حسن يونس، محمد إبراهيم يوسف، جلال مصطفى السعيد، محمد النشار، أبوبكر الجندى، علاء فهمى، حسين مسعود، السيد حمدى، إسماعيل حسن، مصطفى الفقى، أحمد يونس، عبدالحميد أبوموسى، عبدالسلام الشاذلى، فخرى عبدالنور، حسن رشدان!.
وكما ترى.. فليس فيهم رجل ينتظر شيئًا من وراء النعى، ولا الدكتور الجنزورى يرحمه الله يستطيع الآن تقديم شىء لأحد.. إنه نعى لوجه الله!.. نعى لا يريد أصحابه من ورائه إلا أن يقولوا إن رجلًا صادقًا مع نفسه ومع الآخرين قد مر يومًا من هنا، وإن من واجبهم أن يقولوا ذلك وأن يعلنوه، لعل القادمين من بعد الجنزورى على الطريق يعرفون أن الصدق يبقى وأن ما سواه لا يدوم!.
أذكر يوم رحيل شقيقته قبل سنوات أنى لاحظت أن الحضور فى العزاء لم يكن كما هو متوقع، ولا كانت برقيات المشاطرة المنشورة كذلك، وأذكر أنى أشرت إلى ذلك فى هذا المكان!.. وأذكر أنى تلقيت منه اتصالًا معاتبًا يومها، مع أنى كنت أكتب من باب المحبة له، ثم من باب تذكير الذين لم يشاطروا، بأن واجبًا فى حق الرجل فاتهم وأن عليهم أن يتداركوه!.
عاش ومات على عبارة من ذهب سجلها فى الصفحة الأولى من مذكراته.. وفيها يقول: «لا إنجاز بغير علم، ولا تطوير بغير تخطيط».