إشارات ثلاث باعثة على القلق

إشارات ثلاث باعثة على القلق!

إشارات ثلاث باعثة على القلق!

 العرب اليوم -

إشارات ثلاث باعثة على القلق

بقلم - سليمان جودة

يقول المثل الشعبي المصري ما معناه إنك يجب ألا تمدح في أي أمر أو تشكر إلا بعد مرور ستة أشهر، بما يعني منح الفرصة الكافية قبل المحاسبة الواجبة.
وإذا كان هذا يجري على مستوى الأفراد بين بعضهم البعض، فالأمر لا يختلف كثيراً على مستوى الحكومات، وعلى سبيل المثال فإن العادة قد جرت مع كل إدارة أميركية جديدة، على أن يكون ما قدمته محل حساب سياسي من جانبها ومن جانب غيرها، بعد مرور الأيام المائة الأولى لها في مقاعد الحكم.
ومع ذلك، فالمسألة ليست قرآناً من السماء، ولا هي قانوناً له قواعده المستقرة، ولكنه اجتهاد يخضع في الغالب للظروف ويستجيب للملابسات.
ولأن شهراً قد مر على وجود الإدارة الأميركية الجديدة في مقاعدها، فلا بد أن ذلك قد أغرى كثيرين بيننا إلى التطلع وراءهم على مدى الشهر ليروا ماذا جد معها على هذه المنطقة من مناطق العالم في شرقه الأوسط، وماذا يمكن التوقف أمامه خلال الشهر بوصفها إشارات بمثابة المقدمات المؤدية إلى نتائجها.
إنني أتحدث عن منطقة تتوسط خريطة العالم، ولأنها كذلك على الخريطة المبسوطة أمامنا، فما يجري فيها له عواقبه التي تفيض على أطراف الإقليم، بمثل ما تتفاعل في داخله، وبمثل ما تذهب في تداعياتها إلى دوائر أبعد من دوائرها المنظورة في مداها المكاني القريب.
فإذا ما بدأنا بالإشارة الأقرب زمنياً ثم الأبعد فالأبعد، كان لا بد أن يكون هذا القرار الصادر عن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فيما يخص إثيوبيا هو الإشارة الأولى. القرار الذي أقصده لا يزال طازجاً، وقد جرى إعلانه على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية يوم 19 من هذا الشهر، ويقول إن الإدارة الأميركية لن تربط بين المساعدات التي تقدمها واشنطن للحكومة في أديس أبابا، وبين قطع خطوات للأمام من جانب الحكومة نفسها في مفاوضات سد النهضة.
هذا قرار يأتي على أنقاض قرار مناقض كانت الإدارة السابقة قد اتخذته تجاه حكومة آبي أحمد في إثيوبيا، وكان الهدف من ورائه الضغط سياسياً على هذه الحكومة لعلها تكون أكثر استجابة لمطالب مصر والسودان في ملف السد.
والسؤال هو: ماذا تتوقع الإدارة الأميركية من العاصمة الإثيوبية في الملف بعد صدور قرار بهذا المعنى؟! الطبيعي أن تزداد حكومة آبي أحمد تعنتاً، وأن تُنفق المزيد من الوقت في المماطلة، وفي التسويف، وفي الفصال، على نحو ما فعلت منذ بدء عملية التفاوض بين الدول الثلاث، والطبيعي أن ترى في القرار درجة من الرضا الأميركي عمّا تمارسه، حتى ولو كانت الخارجية الأميركية قد قالت في اللحظة نفسها التي أعلنت فيه عن قرارها، إنها تأمل في حل دبلوماسي إثيوبي مع مصر والسودان.
من أين سيأتي الحل الدبلوماسي، إذا كان القرار الذي يُنهي الربط بين المساعدات وبين الحل، سوف يجعل الإثيوبيين لا يتشجعون على السعي للوصول إليه؟!
وإذا كانت الإدارة في العاصمة الأميركية تروّج لإحلال مبدأ «أميركا العائدة» الذي تعتمده منذ جاءت، في محل مبدأ «أميركا أولاً» الذي كانت الإدارة السابقة تعتمده طوال سنواتها الأربع، فعودة كهذه لا بديل عن أن تؤسس للاستقرار في مختلف المناطق الساخنة حول العالم، وفي المقدمة منها منطقة الشرق الأوسط، لا أن تؤسس للتوتر، وما هو أبعد من التوتر بقرارها فك الارتباط بين المساعدات وبين السد.
ولا اختلاف في الحقيقة بين هذا القرار من حيث عائده السلبي المتوقع على الإقليم، إذا ما أساءت الحكومة الإثيوبية فهمه واستقباله، وبين قرار رفع جماعة الحوثي في اليمن من قائمة الإرهاب، الذي كانت إدارة الرئيس ترمب قد اتخذته قبل مغادرتها البيت الأبيض بأيام.
وقد رأينا عائده بأعيننا عندما جلسنا في أماكننا نتابع ما راحت الجماعة ترتكبه من فوق أرض اليمن السعيد، في حق اليمنيين أنفسهم تارة، وضد السعودية تارة أخرى. فالمؤكد أن صواريخ الحوثي وطائراته المسيّرة لم تكن لتستهدف مطار أبها الدولي في جنوب المملكة أكثر من مرة، لو لم تجد في قرار رفعها من القائمة ما يحفّزها على هذا الفعل التخريبي المتكرر!
الغريب حقاً أن إدارة بايدن راحت تندد بعدها بما أقدمت عليه الجماعة الحوثية، وترفضه، وتشجبه، وتعلن أنها لا تقرّه ولا توافق عليه.
هو طبعاً شجب مشكور، وتنديد مقبول، ورفض محمود، ولكنّ هذا كله يظل في مقام الشيء المجاني الذي لا يغيّر من الواقع على الأرض أي شيء، وفي المقابل فإن الربط أميركياً بين رفع الجماعة من قائمة الإرهاب، وبين توقفها عمّا تمارسه على أرض اليمن وضد الدولة الجارة، كان كفيلاً وحده لو جرى اعتماده بأن يمثل عامل ردع للحوثي، فيفكر مائة مرة قبل أن يستهدف مطار أبها!
فماذا تريد الإدارة في بلاد العم سام من وراء القرارين: قرار إثيوبيا، وقرار الحوثي معاً؟! وكيف تقدم من خلال كل قرار منهما ما يشجع الطرف المستفيد منه على العبث في محيطه، ثم تتوقع منه أن يتوقف عن عبثه أو أن يفهم أنه جزرة تتقدم على العصا؟!
إن الذين يقدمون حُسن النية على سواه يمكن أن يفهموا القرارين على نحو متفائل، ولكنّ المشكلة أن الطرف الحوثي لم يستقبل القرار الخاص به على هذا الأساس، ولا الطرف الإثيوبي العابث في إقليمه سوف يستقبله على ذات الأساس!
ولم يكن القرار الثالث الخاص بإيران مختلفاً في حصيلته المتوقعة في المنطقة عن هذين القرارين، لأن تعيين روبرت مالي مبعوثاً أميركياً خاصاً في الملف الإيراني، هو قرار مشجع للإيرانيين على مواصلة ما بدأوه من عربدة في أرجاء الإقليم.
إن المبعوث مالي يوصف بأنه مهندس الاتفاق النووي بين مجموعة الخمسة زائد واحد وبين إيران، أيام إدارة الرئيس الأسبق أوباما، وما نعرفه بالتجربة البشرية الحية أن الذي يفسد شيئاً لا يمكن أن يكون هو نفسه الذي سيصلحه، وبما أن مالي كان هو الذي هندس الاتفاق على صورته المعيبة الحالية، فمن الصعب جداً أن ينعقد عليه الرهان في إصلاح ما يجب إصلاحه في الاتفاق، ومن غير الوارد أن يعود للعمل في الاتفاق ذاته من جديد، ثم يخرج علينا بنتيجة مغايرة، اللهم إلا إذا جادت السماء علينا بمعجزة سياسية في غير زمان المعجزات!
ومن الجائز أن يكون هذا التصاعد في دائرة العنف داخل العراق، منذ أن جاءت الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، من بين عوائد قرار إرسال مالي مبعوثاً في الملف.
أي قراءة متأملة في القرارات الثلاثة سوف تقول إن الإدارة الأميركية الحالية إذا لم تكن مع المنطقة في تجاوز ما تعانيه من أيام إدارة أوباما، فليس أقل من ألا تكون عليها!

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشارات ثلاث باعثة على القلق إشارات ثلاث باعثة على القلق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab