بقلم - سليمان جودة
فى التاريخ المشترك بين الجزائر وفرنسا، يوجد مصطلح سياسى اسمه «الحركيون»، وهو يشير إلى جزائريين وقفوا فى صف الجيش الفرنسى وقت حرب تحرير الجزائر!وقد اشتهرت الجزائر منذ أيام هذه الحرب بأنها بلد المليون شهيد، وكان السبب أنها دفعت أرواح الكثيرين من أبنائها فى سبيل طرد المستعمر وتحقيق الاستقلال عام ١٩٦٢، بعد احتلال دام عقودًا من الزمان بدءًا من عام ١٨٣٠، وقد وصل عدد الذين ضحوا فى طريق استقلال بلادهم إلى ما يقرب من مليون مواطن، ولذلك جاءت هذه التسمية تعبيرًا عما جرى على الأرض!
وفى كل مرة أُثير فيها موضوع الحركيين من جانب الفرنسيين فى العاصمة الفرنسية، كان ذلك يتسبب فى أزمة أو ما يشبه الأزمة بين البلدين!.. وآخر الأزمات كانت منذ أسابيع عندما تحدث الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بطريقة أثارت المشاعر الوطنية للأشقاء فى الجزائر!
أبناء هؤلاء الحركيين موجودون اليوم فى فرنسا، وبعضهم موجود فى الجزائر، ومنذ أيام تجدد الكلام عنهم، وقيل من بين ما قيل إنهم يواجهون التهميش فى فرنسا، ويواجهون الرفض فى الجزائر، ولا يعرفون كيف يعيشون فى الأراضى الفرنسية، ولا بالطبع فى الأراضى الجزائرية!
وهذا طبيعى جدًا، وما عدا ذلك غير طبيعى تمامًا، ومن الطبيعى كذلك أن يواجهوا مشكلة فى فرنسا ذاتها، التى كانوا فى صف جيشها وقت معارك الاستقلال والتحرير!.. فالفرنسيون قد يستضيفونهم على أرضهم، وقد يعطونهم مساحة للعيش والحياة، وقد يمنحونهم فرصة للوجود والتواجد فوق الأراضى الفرنسية، ولكن صانع القرار الفرنسى يعرف تمامًا ومعه كل فرنسى أن هؤلاء الحركيين لم يكونوا أوفياء مع بلدهم الأم.. وهذا أقل ما يمكن أن يوصف به كل واحد فيهم!
إن الدرس فى ملف الحركيين بين البلدين، وفى كل ملف شبيه به على مستوى أى بلدين فى العالم، أن الانتماء الوطنى قيمة لا يمكن أن تُوزَن بمال، وأن انتماء الفرد إلى وطنه الأم هو قيمة عليا لا يجوز التفريط فيها ولا المساومة عليها!
وإذا أنت تأملت حال كل واحد من هؤلاء الحركيين فى هذه اللحظة، فسوف تعرف بالضبط معنى ما أقول لأن كل شخص فيهم عاجز عن الحياة فى فرنسا، وغير قادر على العيش فى الجزائر، ولو انتقل إلى بلد ثالث لما استطاع أيضًا!.