بقلم: سليمان جودة
الجدل الدائر حول ما إذا كان من الجائز أن يقترض المسلم ليحج هو جدل فى غير محله تمامًا، ويجب ألا يدور من الأساس.. والغريب أن كثيرين بيننا قد جرى استدراجهم إليه، وبدأوا يقولون فيه الرأى والرأى المضاد، مع أن القاعدة الفقهية تقول: «لا اجتهاد مع نص»، ومع أنها تكفى وحدها لحسم هذا النقاش وإغلاق بابه فلا يتواصل ولا يستمر.
والنص الذى أقصده هو الحديث الصحيح الذى يعدد أركان الإسلام الخمسة، ويتكلم عن الحج باعتباره الركن الخامس والأخير، ثم يصفه بأنه: لمَن استطاع إليه سبيلًا.
هذا المعنى الواضح كفيل وحده بأن يغلق الباب فى الكلام حول الموضوع لأنك إذا لم تكن مستطيعًا على المستوى البدنى أو المادى، فلا حج عليك، ولا مبرر بالتالى لأن تفكر فى الاقتراض لتذهب إلى الحج، ولا حاجة عندك لأن تفعل هذا بأى شكل، لا لشىء، إلا لأن فى الاقتراض فى حد ذاته عدم استطاعة.
أكثر من هذا، فإننا نحفظ الحديث الآخر الذى يروى أن رجلًا جاء النبى الكريم يسأله عما إذا كان الحج واجبًا فى كل سنة!.. وكان الرجل كلما سأل وألح فى السؤال تحول الرسول، عليه الصلاة والسلام، عنه بوجهه إلى الناحية الأخرى، لعل الرجل يدرك المعنى من تلقاء نفسه فيتوقف.. ولما لم يجد نبى الإسلام مفرًّا قال وكأنه يقصد أن يُسكته: لو قلتها لوجبت.
والدرس أن الذين يكررون الحج والعمرة ليسوا فى أى حاجة إلى ذلك، فإذا كانت الظروف الاقتصادية على الصورة التى نراها ونعيشها، فحاجتهم إلى عدم تكرار الحج أو العمرة أشد، ولا بديل أمامهم سوى أن ينصتوا إلى المعنى المراد فى الحديث النبوى.
وعلينا أن نتخيل حالنا لو أن الذى حج مرة قد اكتفى بها، ثم راح يرسل مسلمًا آخر غير قادر ليحج بدلًا منه، أو يعطى تكلفة الحج الثانى إلى أسرة لا تجد ما تعيش بها، وتجد حرجًا فى مد يدها إلى الناس، وينطبق عليها ما يقوله القرآن الكريم فى قوم من الناس الذين «تحسَبهم أغنياء من التعفُّف».
لنا أن نتخيل لأن تكلفة الحج الثانى من النوع الفاخر الذى نسمع عنه يمكنها أن تغير حياة عشر أسر كاملة، فتنقلها من النقيض إلى النقيض، وتكفيها ذل الحاجة والسؤال، وتخفف الضغط عن هذا المجتمع المنهك، وتضع قاعدة جديدة لعمل خيرى مختلف.